فإذن من صفة الإنسان الظلم، فمن المقاصد العامة والمصالح العليا للأمة أن يتحقق العدل وأن يدفع الظلم.
[بعض الأسباب المعينة على دفع الظلم وتحقيق العدل]
إذا كان الأمر كذلك، فكيف يتحقق العدل وكيف يدفع الظلم؟ هنا:
أولا بتعظيم تقوى الله جل وعلا في النفوس؛ لأنه لا يمكن أن يكون للإنسان وازع أعظم من تقوى الله جل وعلا، فإذا ضعفت التقوى ظلم، ظلم أولاده، ظلم زوجته، ظلم جيرانه، ظلم من يعامله إلى آخره، ما عدل في نفسه وأهله وما ولى، فلابد من تعظيم التقوى في النفوس والخوف من الله جل وعلا حتى يحصل تحقيق للعدل ودفع للظلم.
الأمر الثاني يتحقق العدل ويندفع الظلم لابد بقوة السلطان؛ لأن هيبة السلطان هيبة الدولة يهاب معها من يريد أن يظلم، فيكون الناس أقرب إلى العدل وأبعد عن الظلم في ظلم دولة قوية عادلة.
الأمر الثالث أن يكون هناك جهات تفصل فيما قد يظلم الناس بعضهم بعضا فيه وهي جهات القضاء وجهات الأمن.
يقول الشاعر:
والظلم من شيم النفوس فإن تجد ذا عفة فلعلة لا يظلم
يعني أغلب الناس عندهم هذا الظلم إذا ظلم الناس بعضهم بعضا هنا ذهبت المصلحة العليا وهي تحقيق العدل في الناس ولهذا قال الله جل وعلا في أمره لداوود ?يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ? [ص:26] لماذا؟ لأن به يتحقق العدل ويندفع الظلم.
[قاعدة: كلما قوي الدين قويت مظِنة تحقيق العدل واندفاع الظلم]
هنا كلما قوى الاجتماع قويت مظِنّة العدل ومظِنّة اندفاع الظلم، إذا قوي الدين قويت مظنة العدل ومظنة اندفاع الظلم، ولذلك كان التظالم في عهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أقل منه في عهد أبي بكر، في عهد أبي بكر أقل منه في عهد عمر، وهكذا في أشياء أخر.
[من المصالح العليا للأمة في دنياها: أن يتحقق الأمن الشامل العام التام]
الثالث من المقاصد العليا للأمة لمصلحة دنياها أن يكون هناك أمن شامل، يقول الماوردي في كتابه أدب الدنيا والدين بعد أن ذكر أنواع من المصالح قال: وسنذكر ما يصلح الدنيا ثم نتبعه بوصف ما ويصلح حال الإنسان فيها، واعلم ما به تصلح الدنيا حتى تصير أحوالها منتظمة وحتى تصير أمورها ملتئمة ستة أشياء هي قواعدها وإن تفرعت عنها فروع وهي:
1. أولا دين متبع.
2. ثانيا سلطان قاهر.
3. وعدل شامل.
4. أمن عام.
5. خصب دائم.
6. وأمل فسيح.
القصد من هذا مما قال أن من المصالح العليا للأمة لتحقيقها في دنياها الأمن الشامل، الأمن الشامل هذا نعمة من الله جل وعلا ومصلحة عليا، ومنوط بكل إنسان، كل إنسان يبحث عن أي شيء؟ ولذلك سمي الإيمان إيمانا لأن به يحصل الأمن في الآخرة ويحصل به الأمن أيضا في الدنيا قال جل وعلا ?الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ? [الأنعام:82]، الإيمان مشتق من الأمن؛ لأن عاقبة الإيمان الأمن إيش في الدنيا والأمن في الآخرة، لهذا امتن الله جل وعلا على الناس يوم القيامة لأنهم في العرصات يخاف من يخاف، وأما أهل الصلاح والإيمان والتقوى فهم آمنون، قال جل وعلا ?وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ? [النمل:89]، أهل الجنة من أخص نعيمهم أنهم في أمن لا ينغصّهم شيء قال جل وعلا مخاطبا أهل الجنة ?ادْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ آمِنِينَ? [الحجر:46]، وفي الدنيا أيضا فرض الله جل وعلا على الجميع الأمن وأن يحققوا الأمن في مجتمعهم حتى يتحقق لهم الأمن في أنفسهم، وهذا كما في قوله جل وعلا ?وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا? هنا لاحظ النتيجة، قال ?يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا? [النور:55]، فعبادة الله جل وعلا وحده وعدم الشرك به جاءت بعد الوعد لتحقيق الأمن لأن تحقيق الأمن من مقاصد الشرع في رعاية المصالح العليا لأمة في دنياها.
[تمام الأمن وكماله يتحقق بتمام الدين وتمكنه والعكس بالعكس]
¥