زخرفة المساجد وتزيينها وبناؤها بناء حديثا إذا لم تشغل المصلين فهي من تعظيم شعائر الله، فلا يصلح أن تبقى المساجد مبنية بناء قديما في وسط مبان حديثة، بل ينبغي أن يكون المسجد أفضل بناء من غيره لأنه من شعائر الله التي ينبغي لنا تعظيمها.
يقول تعالى (ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب) ويقول تعالى (في بيوت أذن الله أن ترفع)
وهذا كلام للحافظ ابن رجب رحمه الله في شرح البخاري
فتح الباري لابن رجب - (ج 3 / ص 231)
خرج البخاري هاهنا حديثا، فقال:
446 - ثنا علي بن عبد الله: ثنا يعقوب بن إبراهيم، ثنا أبي، عن صالح بن كيسان: ثنا نافع، أن عبد الله اخبره، أن المسجد كان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مبنيا باللبن، وسقفه الجريد، وعمده خشب النخل، فلم يزد فيه أبو بكر شيئا، وزاد فيه
عمر، وبناه على بنيانه في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - باللبن والجريد، وأعاد عمده خشبا، ثم غيره عثمان، فزاد فيه زيادة كثيرة، وبنى جداره بالحجارة المنقوشة والقصة، وجعل عمده من حجارة منقوشة، وسقفه بالساج.
القصة: الجص.
والساج: نوع من أرفع أنواع الخشب، يجلب من بلاد الهند والزنج.
ويستدل بما فعله عثمان من يرخص في تجصيص المساجد وتزويقها ونقشها.
وقد روي عن ابن عمر في هذا الباب روايات أخر:
فخرج أبو داود من طريق فراس، عن عطية، عن ابن عمر، أن مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - كانت سواريه على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - من جذوع النخل، أعلاه مظلل بجريد النخل، ثم إنها تخربت في خلافة أبي بكر، فبناها بجذوع النخل وجريد النخل، ثم إنها تخربت في خلافة عمر، فبناها بجذوع النخل وجريد النخل، وتخربت في خلافة عثمان فبناها بالآجر، فلم تزل ثابتة حتى الآن.
وفي هذه الرواية زيادة تجديد أبي بكر له وإعادته على ما كان، لكنه لم يزد في بقعة المسجد شيئا، وإنما زاد فيه عمر.
وروى الإمام أحمد: ثنا حماد الخياط: ثنا عبد الله، عن نافع، أن عمر زاد في المسجد من الاسطوانة إلى المقصورة، وزاد عثمان، فقال عمر: لو لا أني سمعت
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((ينبغي أن نزيد في مسجدنا)) ما زدت.
وليس في رواية ذكر ابن عمر، وهو منقطع.
وفيما فعله عمر وعثمان من تخريب المسجد والزيادة فيه: دليل على جواز الزيادة في المساجد وتخريبها لتوسعتها وإعادة بناءها على وجه أصلح من البناء الأول؛ فإن هذا فعله عمر وعثمان بمشهد من المهاجرين والأنصار واقروا عليه.
فأما توسعة المساجد إذا احتيج إلى ذلك لضيقها وكثرة أهلها فقد صرح بجوازه أكثر العلماء من المالكية والحنفية وغيرهم.
وأما توسعة المسجد العامر، وإعادة بنائه على وجه أصلح من الأول فقد نص على جوازه الإمام أحمد.
قال أبو داود في ((مسائله)): سئل أحمد عن رجل بنى مسجدا فعتق، فجاء رجل فأراد أن يهدمه فيبنيه بناء أجود من ذلك، فأبى عليه الباني الأول وأحب الجيران لو تركه يهدمه؟ فقال: لو صار إلى رضا جيرانه لم يكن به باس.
قال: وسمعت أحمد سئل عن مسجد يريدون أن يرفعوه من الأرض، فمنعهم من ذلك مشايخ يقولون: لا نقدر نصعد؟ قال: أحمد: ما تصنع بأسفله؟ قال: اجعله سقاية. قال: لا أعلم به باسا. قال أحمد: ينظر إلى قول أكثرهم - يعني: أهل المسجد.
وبوب عليه أبو بكر عبد العزيز بن جعفر في ((كتاب الشافي)): ((باب: المسجد يبنى بناء أجود من بنائه)).
وهو - أيضا - قول أصحاب أبي حنيفة، ومذهب سفيان الثوري، حكى أصحابه عنه في تصانيفهم على مذهبه أنه قال في المسجد يكون فيه ضيق، فأراد أهله أن يوسعوه من ملك رجل منهم، فلهم ذلك، وان أرادوا أن يوسعوه من الطريق والطريق واسع لا يضر بالمارة فيه فليس لهم ذلك، إلا إن يأذن الإمام.قال: وللإمام أن يحول الجامع من موضع إلى غيره إذا كان فيه صلاح للرعية ونوى الشد فيه؛ ذكروا أن ابن مسعود حول مسجد الكوفة من موضع التمارين.
قال: وسئل سفيان عن بيع حصير المسجد الخلق فيجعل في ثمن الجديد؟ فلم يره به باسا.
ومذهب الإمام أحمد أن ما خرب من الأوقاف كلها ولم يمكن عمارتها، فأنها تباع ويستبدل بها ما يقوم مقامها.
¥