فهذا النص صريح في أن مثل شريك لا يتحمل مثل هذا التفرد فيقدح في صحة الحديث، ويشير إليه كلام البيهقي ((هذا الحديث يعد في إفراد شريك القاضي))، فمثل شريك لا يحتمل تفرده بحديث فما بالك لو أن شريكا خولف في رواية هذا الحديث.
وهذه العلة الثانية التي أعل بها العلماء:
ألا و هي أنه جاءت رواية عن عاصم بن كليب مخالفة لما رواه شريك.
وهذه هي الطريقة الثانية لحديث وائل .... من طريق عاصم بن كليب عن عبد الله مرسلا دون ذكر وائل بن حجر.
وهذه الطريق أخرجها:
أبو داود (839)، والبيهقي (2462)، والطحاوي شرح معاني الآثار (1/ 254)، من طريق شقيق عن عاصم، وأخرجها الطحاوي شرح معاني الآثار (1/ 254) من طريق سفيان الثوري، عن عاصم بن كليب، وعبد الله مرسلا.
ولكن قال الطحاوي أن ابن أبي داود أخطا في ذكر سفيان والصواب أنه شقيق و هو لا يعرف، وهذه الرواية هي التي صوبها بعض العلماء ورجحوها عن الرواية المتصلة.
قال الحازمي (15): ((رواية من أرسل أصح)).
قلت: لكن لا وجه لترجيح الإرسال على المتصل لسببين:
1) أن شقيق هذا مجهول فلا فضل له عن شريك، فلا ترجح روايته على رواية شريك، ولم يذكر العلماء لشقيق غير هذه الرواية.
2) ان ذكر سفيان الثوري عن عاصم بن كليب خطأ من بعض الرواه كما ذكر ذلك الطحاوي فيكون الذي خالف شريك هو شقيق و هو مجهول كما ذكرنا.
3) أن الإرسال تعل به الرواية المتصلة إن كان المرسل اضبط واتقن او اكثر عددا، وهذا لم يحدث في هذه الرواية.
لذا لم يذكر الائمة في اعلالهم للرواية هذه العلة فالدارقطني رحمه الله ذكر التفرد دون المخالفة فتنبه لذلك
وقال البيهقي: ((قال عفان هذا الحديث غريب)).
فتبقى علة الحديث هي تفرد شريك النخعي وهي كافية بأن تذهب بهذا الحديث؛ لأن شريك فيه ضعف وله مناكير، وله أحاديث أخطأ فيها وكثر منه الخطأ كما ذكر ذلك العلماء في ترجمته.
ولم يتابعه أحد من تلاميذ عاصم على هذا الحديث، فمثله ـ رحمه الله ـ لا يتحمل مثل هذا التفرد.
أما الطريق الثالثة:
فهي من طريق محمد بن جحادة، عن عبد الجبار بن وائل، عن أبيه، وهذه أخرجها
أبو داود (838)، والبيهقي (2461)، وهذا إسناد منقطع، لأن عبد الجبار لم يسمع من أبيه.
قال عباس الدوري عن يحيى بن معين ثبت ولم يسمع من أبيه شيئا (16).
لذلك قال النووي (17): ((حديث ضعيف لأن عبد الجبار بن وائل اتفق الحفاظ على أنه لم يسمع من أبيه شيئا، ولم يدركه)).
وهنا مبحث هام جدا:
ألا وهو لقائل أن يقول: حديث وائل المتصل مختلف فيه، والمرسل لا يعله وهذه طريق منقطعة؛ ألا يقوى الحديث بمجموع هذه الطرق؟!
أقول وبالله التوفيق:
إن الحديث حتى يقوى له شرط هو أن يكون إسناده محتمل سواء في التصحيح
أو التضعيف فهذا هو الإسناد الذي يقوى بغيره، وهذا لا يتوفر هنا لأن الإسناد فيه شريك غير محتمل للتقوية؛ لأن إعلال العلماء بالتفرد دليل على نكارة الإسناد.
وإذا كان الإسناد منكرا فكما قال الإمام أحمد: ((المنكر أبدا منكر))، أي لا يقوى ولا يتقوى .... ومما يؤيد نكارة الإسناد أنه جاء من طريق أخرى مخالفة له وهي الرواية المرسلة وأيضا طريق عبد الجبار فهذه الأسانيد تزيد إسناد شريك نكارة ولا تقويه وتدل على أن شريكا قد أخطأ في إسناد هذا الحديث. وكتاب الشيخ طارق بن عوض الله في هذا الباب (الارشادات في التقوية بالشواهد والمتابعات) ذكر فيه هذا المبحث
خلاصة البحث:
أن حديث وائل بن حجر ضعيف لتفرد شريك بن عبد الله به، وهذا التفرد لا يقبله العلماء لأسباب:
أولأ: أن شريكا تكلم فيه بعض العلماء ووثقه بعض العلماء؛ لذلك قال الحافظ في ترجمته: ((صدوق يخطيء))، مثل هذا الراوي لا يقبل العلماء تفرد مطلقا حتى يتبين لهم أن هذه الرواية ليست من أخطائه خصوصا ممن وصفه العلماء بأنه كثير الخطأ مثل شريك.
ثانيا: أن عاصم بن كليب تلاميذه من الأئمة في علم الحديث وفي روايته فأين هؤلاء من هذا الحديث، أين سفيان الثوري، وسفيان بن عيينة، أين شعبة بن الحجاج، وهم من تلاميذ عاصم بن كليب وغيرهم الكثير، وهذه من القرائن التي تدل على خطأ الراوي أن ينفرد عن شيخ له تلاميذ من المشاهير ولا يروي أحد منهم الرواية عن هذا الشيخ.
(وسنذكر تأصيل هذه القاعدة عند الكلام على حديث أبي هريرة بإذن الله تعالى).
¥