تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إن سماع الغناء لا يتعلق بالنية لما تؤول إليه من مفاسد عدة، فإن تحريم الغناء بالمعازف من تمام حكمة الشارع .. فالشرع يحرم ما يشتمل على المفاسد وما هو وسيلة وذريعة إليها. فاحتجاج ابن حزم بهذا بمنزلة من يرى النظر إلى الأجنبية واستماع صوتها بحسن النية جائز، أو الخلوة بالمرأة جائز وغيرها. والمحرمات في الشريعة قسمان: قسم حرم لما فيه من المفسدة، وقسم حرم لأنه ذريعة إلى ما اشتمل على المفسدة .. وقد صدق ابن القيم عندما قال في كتابه (إغاثة اللهفان 363): "أنك لاتجد أحداً اعتنى بالغناء وسماع آلاته، إلا وفيه ضلال عن طريق الهدى، علماً وعملاً، وفيه رغبةً عن إستماع القرآن إلى إستماع الغناء، بحيث إذا عرض له سماع الغناء وسماع القرآن عدل عن هذا إلى ذاك، وثقل عليه سماع القرأن ... "

قال الإمام المنبجي في رسالته (السماع والرقص 40): "القاعدة الثالثة: إذا أشكل على الناظر أو السالك حكم شيء، هل هو الإباحة أو التحريم فلينظر إلى مفسدته وثمرته وغايته، فإن كان مشتملاً على مفسدة راجحة ظاهرة، فإنه يستحيل على الشارع، الأمر به أو إباحته، بل يقطع أن الشرع يحرمه لا سيما إذا كان طريقه مفضياً إلى مايبغضه الله ورسوله ... "

قلت: وعلى هذا لو كان كلام ابن حزم رحمه الله صحيحا لأبحنا كثيرا من المحرمات بحجة أن نيتنا صالحة وصافية وشريفة!!!!!!! وفي الواقع إنه كلام فاسد معلوم الفساد، إذ إنه يستند على قاعدة غير صحيحة.

وفي بيان عدم الاعتبار بمن خالف بعد وقوع الاجماع قول الامام ابي المظفر السمعاني في كتابه قواطع الأدلة فى الأصول (1/ 496) ما نصه::

(إذا تعرفنا حال الأمة وجدناهم متفقين على تضليل من يخالف الإجماع وتخطئته ولم تزل الأمة ينسبون المخالفين للإجماع إلى المروق وشق العصا ومحادة المسلمين ومشاقتهم ولا يعدون ذلك من الأمور الهينة بل يعدون ذلك من عظام الأمور وقبيح الارتكابات فدل أنهم عدوا إجماع المسلمين حجة يحرم مخالفتها وفي المسألة دلائل كثيرة ذكرها الأصحاب وأوردها المتكلمون والقدر الذي قلناه كاف وهو المعتمد).

قلت: وهذا نص ما فعله الامامان ابن الصلاح وابن القيم في تخطئة ابن حزم ووصف مذهبه في المسألة بالبطلان والفساد.

وقد قال السرخسي في أصوله (1/ 308):

"لا يجوز مخالفة الإجماع برأي يعترض له بعدما انعقد الإجماع بدليله".

وقال في أنوار البروق في أنواع الفروق (3/ 329):

"ومن اعتقدنا فيه مخالفة الإجماع لا نقلده".

وقال في الكوكب المنير شرح مختصر التحرير (2/ 198):

"وأما مثال مخالفة الآجماع , فكقول حنفي: " لا يجوز للرجل أن يغسل امرأته إذا ماتت ; لأنه يحرم النظر إليها كالأجنبية ". فيقال: هذا فاسد الأعتبار لمخالفة الآجماع السكوتي , وهو أن عليا غسل فاطمة رضي الله عنها , واشتهر ذلك ولم ينكر."

قلت: وما قاله الحنفية فاسد لأنه خالف اجماعا سكوتيا لعدم انكار الصحابة، فكيف بمن يخالف نصا صريحا صحيحا مجمعا عليه!!!، إذ لم يثبت قبل ابن حزم من أباح المعازف من العلماء.

الشبهة العاشرة: اجماع أهل المدينة على اباحة العود.

قال الامام الشوكاني نيل الأوطار (8/ 179):

(وحكي أبو الفضل بن طاهر في مؤلفه في السماع أنه لا خلاف بين أهل المدينة في إباحة العود قال ابن النحوي في العمدة قال ابن طاهر هو إجماع أهل المدينة)

الرد على هذه الشبهة:

أولا: هذا الكلام يوهم أن ابن طاهر قاله جزما بعد اطلاعه على أقوال اهل المدينة، وهذا ليس بصحيح، فقد صرح هو بنفسه أنه قد استنتج هذا الاجماع من رواية ضعيفة حكيت له، ويدل لذلك قوله في كتابه السماع (64): وأما الدليل على أنه مذهب أهل المدينة ما حدثناه أبو جعفر ... حدثنا أبو عبدالله من بج حوران قال سمعت الأوزاعي يقول:" نجتنب أو نترك من قول أهل العراق خمسا، ... ومن قول أهل الحجاز: استماع الملاهي، والجمع بين الصلاتين من غير عذر ... " فدل هذا على ان استماع الملاهي مذهب اهل المدينة).

ثانيا:ابن طاهر القيسراني ليس حجة فيما يرويه وينفرد به وقد ضعفه جمع من كبار أئمة الحديث.

قال الذهبي في ميزان الاعتدال (3/ 587) في ترجمة ابن طاهر: ليس بالقوي فإن له أوهام كثيرة في تواليفه وله انحراف عن السنة الى تصوف غير مرضي)

ومثله قال الحافظ ابن حجر في لسان الميزان (5/ 207).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير