ومذهب الأحناف والشافعية: أنها تكره على من حركت شهوته، ولا تكره لغيره، لكن الأولى تركها. ولا فرق بين الشيخ والشاب في ذلك، والاعتبار بتحريك الشهوة، وخوف الإنزال، فإن حركت شهوة شاب، أو شيخ قوي، كرِهَت. وإن لم تحركها لشيخ أو شاب ضعيف، لم تكره، والأولى تركها، وسواء قبّل الخد أو الفم أو غيرهما.
وهكذا المباشرة باليد والمعانقة لهما حكم القبلة.
4 - الحقنة:
مطلقاً، سواء أكانت للتغذية، أم لغيرها، وسواء أكانت في العروق، أم تحت الجلد، فإنها وإن وصلت إلى الجوف، فإنها تصل إليه من غير المنفذ المعتاد.
5 - الحجامة (أخذ الدم من الرأس):
فقد احتجم النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو صائم، إلا إذا كانت تضعف الصائم فإنها تكره له، قال ثابت البُناني لأنس: أكنتم تكرهون الحجامة للصائم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: لا، إلا من أجل الضعف. رواه البخاري وغيره.
والفصد (أي: أخذ الدم من أي عضو) مثل الحجامة في الحكم.
6 - المضمضة والاستنشاق:
إلا أنه لا تكره المبالغة فيهما، فعن لقيط بن صبرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " فإذا استنشقت فأبلغ، إلا أن تكون صائما ".رواه أصحاب السنن. وقال الترمذي: حسن صحيح.
وقد كره أهل العلم السعوط (أي: وضع الدواء في الأنف) للصائم، ورأوا: أن ذلك يفطّر، وفي الحديث ما يقوي قولهم.
قال ابن قدامة: وإن تمضمض، أو استنشق في الطهارة فسبق الماء إلى حلقه، من غير قصد ولا إسراف فلا شئ عليه، وبه قال الاوزاعي وإسحاق والشافعي في أحد قوليه، وروي ذلك عن ابن عباس.
وقال مالك، وأبو حنيفة: يفطر، لأنه أوصل الماء إلى جوفه، ذاكراً لصومه، فأفطر، كما لو تعمد شربه.
قال ابن قدامة - مرجحاً الرأي الأول - ولنا أنه وصل الماء إلى حلقه من غير إسراف ولا قصد، فأشبه ما لو طارت ذبابة إلى حلقه وبهذا فارق المتعمد. (قال ابن عباس: دخول الذباب في حلق الصائم لا يفطر)
7 - ما لا يمكن الاحتراز عنه:
كبلع الريق وغبار الطريق، وغربلة الدقيق والنخامة ونحو ذلك ......
وقال ابن عباس: لا بأس أن يذوق الطعام الخل، والشئ يريد شراءه.
وكان الحسن يمضغ الجوز لابن ابنه وهو صائم، ورخص فيه إبراهيم.
وأما مضغ العلك (أي: اللبان) فإنه مكروه، إذا كان لا يتفتت منه أجزاء.
وممن قال بكراهته: الشعبي، والنخعي، والأحناف، الشافعي، والحنابلة.
ورخصت عائشة وعطاء في مضغه، لأنه لا يضل إلى الجوف، فهو كالحصاة، يضعها في فمه.
هذا إذا لم تتحلل منه أجزاء، فإن تحللت منه أجزاء ونزلت إلى الجوف، أفطر.
قال ابن تيمية: وشم الروائح الطيبة لا بأس به للصائم.
وقال: أما الكحل، والحقنة، وما يقطر في إحليله، ومداواة المأمومة والجائفة، فهذا مما تنازع فيه أهل العلم، فمنهم من لم يُفطِّر بشئ من ذلك، ومنهم من فطر بالجميع لا بالكحل، ومنهم من فطر بالجميع، لا بالتقطير، ومنهم من لا يفطر بالكحل، ولا بالتقطير، ويفطر بما سوى ذلك. ثم قال مرجحاً الرأي الأول: والأظهر أنه لا يفطر بشيء من ذلك، فإن الصيام من دين الإسلام، الذي يحتاج إلى معرفته الخاص، والعام.
فلو كانت هذه الأمور مما حرمها الله ورسوله في الصيام، ويفسد الصوم بها، لكان هذا مما يجب على الرسول بيانه، ولو ذكر ذلك لعلمه الصحابة، وبلغوه الأمة، كما بلغوا سائر شرعه. فلما لم ينقل أحد من أهل العلم، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك، لا حديثا صحيحا، ولا ضعيفا، ولا مسندا، ولا مرسلا عُلِمَ أنه لم يُنكِر شيئاَ من ذلك.
قال: فإذا كانت الأحكام التي تعم بها البلوى، لابد أن يُبَيِّنُها الرسول - صلى الله عليه وسلم - بياناً عاماً، ولابد أن تنقل الأمة ذلك.
فمعلوم أن الكحل، ونحوه مما تعم به البلوى، كما تعم بالدهن، والاغتسال، والبخور، والطيب. فلو كان هذا مما يفطر، لبينه النبي - صلى الله عليه وسلم - كما بين الإفطار بغيره، فلما لم يبين ذلك، علم أنه من جنس الطيب، والبخور، والدهن.
والبخور قد يتصاعد إلى الأنف ويدخل في الدماغ، وينعقد أجساما.
والدهن يشربه البدن، ويدخل إلى داخله ويتقوى به الإنسان، وكذلك يتقوى بالطيب قوة جيدة.
فلما لم ينه الصائم عن ذلك دل على جواز تطيبه، وتبخره، وادهانه، وكذلك اكتحاله.
¥