6 – أنَّ الشريعةَ تتشوف إلى اتصال الأنساب وعدم التشكيك فيها، ويدل على ذلك أمورٌ كثيرةٌ منها:
أ – تحريم الإسلام للتبني؛ دلَّ عليه قوله تعالى: " وما جعلَ أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل " [الأحزاب: 4].
ب – تحريمُ الطعنِ في الأنساب؛ دَلَّ عليه حديث قوله – عليه الصلاة والسلام –: " اثنتان في الناس هما بهما كفر: الطعنُ في النسب، والنياحة على الميت " [6] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=34#_ftn6) ؛ ولهذا ذهب جماعة من أهل العلم إلى أنَّه لو قيل لرجلٍ: (يا ديوث) أو (يا قوَّاد) لم يجب الحد، لأنَّ هذا ليس طعنًا في نسبِهِ [7] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=34#_ftn7) .
ج – أنَّه يجوز إلحاق نسب الطفل بآخر ادَّعاهُ إذا لم يكن هناك ما يعارضه.
د – تحريم انتسابِ الإنسان لغير أبيه أو مواليه؛ دلَّ عليه حديث أبي ذر – رضي الله عنه – أنَّه سمعَ النبي – صلى الله عليه وسلم – يقول: " ليس من رجلٍ ادَّعَى لغير أبيهِ – وهو يعلمه – إلا كفر، ومَنْ ادَّعَى قومًا ليس لهم فيه نسبٌ فليتبوأ مقعدَهُ من النار " [8] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=34#_ftn8) .
هـ - قبولُ شهادة الشاهد بأنَّ فلانًا ولدُ فلانٍ؛ دلَّ عليه تفريق النبي – صلى الله عليه وسلم – بينَ الرجل وزوجته بكلامِ امرأةٍ أرضعتهما، وقبول قول المرأة التي تُوَلِّدُ الحامل.
و – أنَّهُ يقبلُ في إثباتِ النسبِ واتصاله شهادةُ القائف عند جمهور أهل العلم؛ دلَّ عليه حديث مجزز المدلجي [9] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=34#_ftn9) .
إلى آخر هذه الشواهد التي تؤكد تشوف الشارع إلى المحافظة على الأنساب وإلحاقها بمن تدل القرائن عليه كما أشار إلى ذلك ابن القيم – رحمه الله – في الطرق الحكمية (2/ 582) حيث قال: والقياسُ وأصولُ الشريعةِ تشهدُ للقافةِ؛ لأنَّ القولَ بها حكمٌ يستندُ إلى دَرَكِ أمورٍ خَفيَّةٍ وظاهرةٍ، توجبُ سكونًا للنفسِ، فوجبَ اعتبارُهُ كنقدِ الناقدِ، وتقويمِ المُقَوِّمِ ... وأصول الشرع وقواعده والقياس الصحيح تقتضي اعتبار الشبه في لحوق النسب، والشارع متشوف إلى اتصال الأنساب وعدم انقطاعها، ولهذا اكتفى في ثبوتها بأدنى الأسباب من شهادة المرأة الواحدة على الولادة، والدعوى المجردة مع الإمكان، وظاهر الفراش، فلا يستبعد أنْ يكونَ الشبه الخالي عن سبب مقاوم له كافيًا في ثبوته ... والمعلوم أنَّ طرق حفظ الأنساب أوسع من طرق حفظ الأموال، والشارع إلى ذلك أعظم تشوفًا.
ومن خلال استجلاء مقصد الشارع بالنسبة لحد القذف تظهر لنا بعض الحِكَم والأسرار:
1 – أنَّ الشارع يشدد في انتهاك الأعراض مباشرة بفعل الفاحشة، أو عن طريق تشويه العِرْض بالقذف ونحوه ما لا يشدد في غيره صيانةً لها من التدنيس، ومن مظاهر ذلك ما يلي:
أ – عدد الشهود؛ ففي الزنا أربعة من الرجال بينما غيره من الحدود يكفي فيه شاهدان ... إلخ.
ب – العقوبة؛ فالرجم حتى الموت بالنسبة للزاني المحصن، وهي عقوبة شديدة.
ج – في شدة الجلد؛ فنص بعض الفقهاء على أنَّ أشد الجلد يكون في الزنا، ثم القذف ... إلخ، وذلك لأنَّ الزنا جنايةٌ على الأنساب، ثم القذف لأنه جنايةٌ على الأعراض [10] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=34#_ftn10) .
د – نصَّ جماعةٌ من الفقهاء على أنَّ الذمي والمستأمن لا يقام عليهما إلا حدُّ القذف، وبعضهم ينص على الزنا – أيضًا –.
2 – أنَّ الحدود منها ما ورد النصُّ عليه في القرآن ومنها ما ورد في السنة، ولا شكَّ أنَّ ما ورد في القرآن دليل على شناعة الجريمة، وآكديةِ عقوبتها؛ والقذف منها.
3 – أنَّ العار اللاحق بالقذف بالزنا أعظم من العار اللاحق بالقذف بغيره؛ ولهذا ما ورد في حدِّ القذف من النصوص متعلق بالمرأة، وذلك لِمَا يلحقها من العارِ الذي يشمل أهلَهَا وذويها معها؛ بل قد لا ينقطع عنها حتى بعد موتها.
¥