هذا هو الأصل، ولا يلزم منه عقوبته؛ بل يكفي حَجْبُهُ عن الناس.
والدليل على اشتراط العقل والبلوغ في القاذف: أنهما شرطان في كل التكاليف، وقد قال عليه الصلاة والسلام: " رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يبلغ، وعن المعتوه – أو المجنون – حتى يُفِيق " [22] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=34#_ftn22) .
أما مَنْ زالَ عقلُهُ بالسكر ونحوه؛ فجمهور أهل العلم على إقامة الحدِّ عليه، وخالف في ذلك الظاهرية [23] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=34#_ftn23) .
الشرط الثالث: أن يكون مختارًا [24] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=34#_ftn24) :
فلا يحدُّ القاذف إذا كان مكرهًا، لأنَّ من شروط إقامة الحدود كون المحدود مختارًا للفعل، ولأنَّ حالة الإكراه مما عفا فيها الشارع عن المُكْرَه.
والدليل على ذلك: قوله تعالى: " إلا مَن أكره وقلبه مطمئنٌ بالإيمان " [النحل: 106] فإذا كان هذا في الكفر، فغيره من باب أولى.
الشرط الرابع: أنْ لا يكونَ القاذفُ أبًا للمقذوف [25] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=34#_ftn25) :
فإنْ قذفَ والدٌ أو والدةٌ ولدهما فلا حدَّ عليهما؛ كالقصاص.
وبعض أهل العلم زادَ في ذلك: أنَّ الجدَّ وإنْ علا له الحكم ذاته.
وهذه المسألة محلُّ خلافٍ بينَ أهلِ العلم، ومرجعُ ذلك – والله أعلم – إلى قتل الوالد بولده؛ فمنْ قالَ بقتل الوالدِ بولدِهِ قال بحدِّ الوالد إذا قَذَفَ ابنَهُ، ومنْ قال بعدم قتل الوالد بولدِهِ قالَ بأنَّ الحدَّ لا يجبُ على الوالد إذا قذفَ ابنَه.
والأقرب في ذلك – والله أعلم –: أنَّ الأب يُحدُّ بالقذفِ إذا قذفَ ابنَهُ، وهو قول عمر بن عبد العزيز وهو قولٌ عند المالكية، وهو اختيار ابن المنذر وابن حزم وابن عثيمين [26] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=34#_ftn26) .
الشرط الخامس: أنْ يَقذِفَ بالزنا الموجبِ للحدِّ [27] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=34#_ftn27) :
فإنْ قذفَ بالوطء دون الفرج والقبلة ونحوهما، لم يَجب الحدُّ عند جمهور أهل العلم.
الشرط السادس: أنْ يكونَ حُرًّا [28] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=34#_ftn28) :
فإذا قذف العبدُ حُرًّا فيُحَدُّ أربعين عند بعض أهل العلم، وذهب آخرون إلى أنَّ العبدَ هنا كالحر؛ فيجلد ثمانين جلدةً.
ولا يظهر لي أنَّ هناك مَنْ قالَ بأنَّ الواجب فيه التعزير حسب ما يراه القاضي، وذلك لأنَّ مَنْ عَدَّ الحريةَ شرطًا ذكر أنه يُحَدُّ أربعين [29] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=34#_ftn29) ، وهذا دليلٌ على أنَّ الحدَّ واجبٌ لكن هل يُحَدُّ حَدَّ الحر أم لا؟ هنا وقعَ النزاع، والله أعلم.
الشرط السابع: أنْ يكونَ ملتزمًا بالأحكام [30] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=34#_ftn30) :
ويدخل في هذا الشرط: المسلم، والكافر الذمي والمستأمن والمعاهد؛ وهذا محل اتفاق عند أهل العلم؛ أما الكافر الحربي فوقع فيه النزاع.
والدليل على هذا الشرط: عموم الآيات والأحاديث الواردة في القذف، وأنَّ العار اللاحق بالمقذوف يقع من القاذف المسلم وغيره.
الشرط الثامن: أنْ يكون عالمًا بالتحريم [31] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=34#_ftn31) :
فلا حدَّ على الجاهل بالتحريم؛ وهذا محل اتفاقٍ بين أهل العلم من حيث الأصل في إقامة الحدود.
والدليل على هذا الشرط: ما ورد عن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان – رضي الله عنهما – أنهما قالا: لا حَدَّ إلا على مَنْ عَلِمَهُ [32] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=34#_ftn32) .
لكن وقع النزاع بين أهل العلم في كونه شرطًا لإقامة حدِّ القذف، وذلك أنَّ حقوق العباد مبنيةٌ على المشاحَّةِ؛ فلذا لعلَّ هذا الشرط عائدٌ إلى مسألة القذف هل هو حقٌّ لله أم للعباد أم من الحقوق المشتركة؟
¥