قلت: فهذا الدعاء ونحوه قد روى أنه دعا به السلف، ونقل عن أحمد بن حنبل فى منسك المروزى التوسل بالنبى صلى الله عليه وسلم فى الدعاء، ونهى عنه آخرون. فإن كان مقصود المتوسلين التوسل بالإيمان به وبمحبته وبموالاته وبطاعته فلا نزاع بين الطائفتين، وإن كان مقصودهم التوسل بذاته فهو محل النزاع، وما تنازعوا فيه يرد إلى الله والرسول.
السؤال احسن الله اليكم
اشكل علي ما تحته خط عندما قال يا محمد
وفقكم الله وبارك فيكم
ـ[الطنجي]ــــــــ[24 - 05 - 05, 11:05 م]ـ
لا إشكال في ذلك إن شاء الله أخي الكريم.
ذلك أن:
ـ صيغة النداء قد تستعمل في أصلها: وهو طلب إقبال المنادَى على المنادِي.
ـ وقد تَخرج عن أصلها، بأن تُستعمل في غرض آخر، وما أكثر هذه الأغراض، فإن شئت أن تستوعبها فارجع إلى كتب البلاغة.
والنداء في قول الرجل هنا: (يا محمد)، وكذا في قول الضرير، إن صحت اللفظة، لا يراد به إسماع النبي وطلب إقباله على المنادِي، بل هو على منوال قول الصحابة رضوان الله عنهم في التشهد: (السلام عليك أيها النبي)، فإنهم، بالاتفاق، ما كانوا يقصدون إسماع النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولا طلب إقباله عليهم، ومثل هذا الاعتقاد ما كان معروفا عندهم، ولا خطر لهم على بال، وقد كان الواحد منهم يصلي في بيته، وفي السوق، وفي السفر، وفي الأمصار البعيدة، كل ذلك يقول: (السلام عليك أيها النبي).
ولا يقولن قائل: (إن هذا في السلام، فتعين أن يكون القصد به أصليا، لما صح من أن هناك ملكا يبلغ النبي السلام بعد موته)، فإن الاعتراض غير صحيح، لأن الصحابة كانوا يستعملون هذه الصيغة والنبي صلى الله عليه وآله وسلم حي بين أظهرهم، ولم يحصل قط أنهم قصدوا إسماع النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهم بعيدون منه، في سفر ونحو ذلك، على كثرة احتياجهم إليه، ووقوع الخلاف بينهم، وحاجتهم إلى الشكوى مما يصيبهم من قحط ونحوه، بل كانوا يأتونه صلى الله عليه وسلم ليشافهوه بما عندهم، كما هو شأن ذلك الصحابي الذي جاء طالبا من النبي صلى الله عليه وآله وسلم الاستسقاء للناس بعد أن احتبس عليهم المطر، ثم جاءه ثانية يطلب منه أن يسأل الله تعالى إمساكه، فإذا تعذر عليهم الوصول إليه، صلى الله عليه وآله وسلم، بالطرق العادية فغاية ما كانوا يفعلونه أنهم يسألون الله تعالى أن يبلغ نبيه الشيء، فربما نزل الوحي منه تعالى يبلغ نبيه ذلك كما حصل في قصة قراء بئر معونة.
وهذا أمر متقرر متواتر، يعلم صحته من له أدنى ممارسة لسيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسيرة أصحابة رضوان الله عليهم، وهو يدل دلالة قاطعة على بطلان ما يدعيه المتأخرون من أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يسمع عن بُعد، فيجوز على ذلك مناداته بقصد إسماعه وطلب إقباله كما يُفعل مع الحي القريب، فإن ذلك لو كان من صفاته، بأبي هو وأمي، لعرف ذلك أخص الناس به، وأعلمهم بشمائله وفضائله وأخبرُهم بأحواله، وحيث لم يظهر منهم شيء يشير إلى ذلك، لا مطابقة ولا تضمنا ولا التزاما، دل ذلك على أنه باطل محض لا شك فيه ولا ريب.
فإذا تقرر هذا، يبقى علينا بيان الغرض الذي من أجله يستعمل المتكلم أسلوب النداء، مع عدم اعتقاده بأن المنادَى يسمعه.
فنقول وبالله التوفيق:
إن المتكلم إذا أراد أن يستحضر تمام الاستحضار صورة الشيء الذي يتكلم عنه، فإنه يستعمل أسلوب النداء، لما له من التأثير النفسي البليغ في هذا الموضع، وهذا أمر مجرب، يعرفه كل واحد من نفسه، ومنه تعرف السر في توارد الشعراء على مناداة المحبوب البعيد، بل ومناداة ومخاطبةمن ليس من شأنه سماع النداء ولا فهم الكلام أصلا كالديار البعيدة والرباع ونحو ذلك.
فيكون القصد هنا من مناداة النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو تمام استحضاره صلى الله عليه وآله وسلم في القلب ساعة الكلام، ليس إلا، لا لاعتقاد المنادِي أنه صلى الله عليه وآله وسلم يسمعه ويجيبه ويقبل عليه ويتوسط له عند الله في نيل غرضه.
وقد يقال غير هذا، كل بحسب ذوقه البلاغي.
وأرجو من المشايخ الكرام أن لا يبخلوا علينا بالتقويم إن رأوا في مجمل الجواب ما يخالف الحق.
والله أعلم.