وثبت عن كعب بن مالك رضي الله عنه أنه قال لما تاب الله عليه: "يا رسول الله إنّ من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله، قال رسول الله: " أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك "، قال: فإني أمسك سهمي الذي بخيبر". متفق عليه [49].
وثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من حلف، فقال في حلفه: "واللات والعزّى" فليقل: "لا إله إلا الله "، ومن قال لصاحبه: "تعال أقامرك" [50] فليتصدق " متفق عليه [51]. وفي رواية لمسلم: "فليتصدق بشيء" [52].
وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " الصدقة تطفئ الخطيئة، كما يطفئ الماء النار" [53].
وكذلك عدد الاستغفار ورد فيه حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: "والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة" [54].
وثبت عن الأغر المزني رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله: "إنه ليغان [55] على قلبي، وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة" رواه مسلم [56].
وأيضاً فعموم قوله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [57] يدل على أن فعل الأعمال الصالحة بعد السيئة يكفرها [58].
لكن تقييد التسبيح والتحميد والصيام بهذه الأعداد لا دليل عليه، وهو من البدع المحرمة، لما ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" [59]. وفي رواية لمسلم: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد " [60]، ولما ثبت في صحيح مسلم من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيش يقول: صبّحكم ومسّاكم، ويقول: "بعثت أنا والساعة كهاتين" ويقرن بين إصبعيه السبابة والوسطى، ويقول: " أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة " [61].
وذكر الملا علي القاري [62] رحمه الله أنه يقرأ في هذه الصلاة سورتي الإخلاص، {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}، و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، أو يقرأ قوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [63]، وقوله تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً} [64].
والصحيح أنه لا يشرع تخصيص هذه الصلاة بسور أو آيات بعينها، لأنه لم يرد في ذلك شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم.
الخاتمة
الحمد لله وحده، وبعد: فمن خلال بحث الأحكام المتعلقة بصلاة التوبة ظهر لي الأمور الآتية:
الأمر الأول: ثبوت هذه الصلاة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
الأمر الثاني: أنها تشرع عند توبة المسلم من أي ذنب، سواء كان من الكبائر أم من الصغائر، وسواء كانت هذه التوبة بعد اقتراف المعصية مباشرة، أم بعد مضي زمن.
الأمر الثالث: أن هذه الصلاة تؤدى في جميع الأوقات، بما في ذلك أوقات النهي.
الأمر الرابع: أن الصحيح من أقوال أهل العلم أن هذه الصلاة قبل التوبة لا بعدها.
الأمر الخامس: أن هذه الصلاة في أركانها وواجباتها وما يشترط لها كصلاة النافلة، وهي ركعتان.
الأمر السادس: أنه يستحب مع هذه الصلاة فعل بعض القربات، كالصدقة والذكر والصيام وغيرها.
وفي الختام أسأل الله أن ينفع بهذا العمل كاتبه وجميع المسلمين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
===
[1] سورة آل عمران: 102.
[2] سورة النساء: 1.
[3] سورة الأحزاب: (70، 71).
[4] سيأتي الكلام على هذه المسائل بشيء من التفصيل في المبحث الثاني، وسيأتي الكلام على شروط التوبة العامة في المبحث الثالث.
[5] سورة البقرة: 54. وينظر تفسير ابن كثير 1/ 130 - 132، وأضواء البيان 1/ 327.
[6] ينظر شرح الطيبي لمشكاة المصابيح 3/ 180.
¥