تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لم تكن تلك العوامل سببا لعمران والازدهار إلا حينما يسود أمر الله، وتتحق إرادته، ويتحول تشريعة إلى سلوك، فهنا يصبح الإنسان معتدلا سويا، فتعدل وتستقيم معه تلك الظواهر، فيكون العمران وفير والبركة والنماء، يقول الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} (الأعراف: من الآية96) ويقول سبحانه:

{وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْأِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ} (المائدة: من الآية66).

وحين يرفض الإنسان الخضوع لله، يضطرب توازنه لا محالة بين عقلة ونفسه، فيختل من أجل ذلك سلوكه، والقرآن الكريم يربط بين اضطراب سلوك الإنسان وبين اضطراب القوى الكونية، فيحدثنا أن هذا الاضطراب البشرى يبلغ حدا من القوة والشدة، بحيث يصاحبه اضطراب مماثل فى تلك القوى الكونية التى يكون منها الخير والشرع على حد سواء، فيكون الطوفان، وتكون الريح العقية، ويكون الرجف والخسف والصفق، وما أشبهها من عوامل التدمير، التى تظهر مصاحبة لانحراف الإنسان، قال تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا} (الروم: من الآية41)

وإذا كان انفعال قوى الكون تابعا لحركة الإنسان الجسدية والقلبية، ولمدى ارتباطها بإرادة الله مسخر القوى كلها كما تنطق به الآية، فإن هذا ارتباط يؤكد قيمة الإنسان فى الكون، ويحفزه على أن يمعن فى التدبر والتأمل فى التاريخ الدينى، ليؤكد هذا المعنى، وليضع نفسه حيث وصفه الله، وحيث أراده أن يعمل.

والعقبة الكبرى الملقاة على عاتق المؤمن: أن يجاهد لإسكات الفتنة فى داخل نفسه أولا، ثم خارج نفسه، وأن يسيطر القانون الإلهى على أرض الدعوة.

ومن شاء من الناس أن يؤمن فليؤمن، ومن شاء فليقم على كفره، ولكن الكافر لابد أن يكون خاضعا لدولة الإسلام، ولنظامها الحاكم، فربما كان هذا الخضوع بابا للهداية، كما تحدث فى كثير من الوقائع والأحوال.

أما أن يسيطر المؤمن على مواطن الإرادة من غير المؤمنين فهذا غير مسموح به فى شريفة الإسلام.

نعم .. هناك اضطراب سلوكى يحدث للفرد فى داخل نفسه وفى خارجها إذا هو أمر على خطأ فى السلوك يخالف شرع الله، ولكن هذه الحالات الفردية لا تأتى بخطر مستيطر على الحضارة إلا إذا غلبت، حتى فسدت الجماعة كلها، وأصبح الفساد هو الأصل، وما عداه شذوذ.

حينئذ تنعكس المفاهيم فى أذهان هؤلاء، ويصبح الشر خيرا، والخير شرا، والقرآن الكريم زاخر بالآيات التى تفضح هذا المنطق الأعوج، ومنها قولهم لرسلهم:

{إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} (الأعراف: من الآية66).

وقول آخرين:

{أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ} (الأعراف 70، 71).

وقالوا: {لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا} (الأعراف: من الآية88)

وقالوا: {أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ} (الشعراء: من الآية111)

هذه؟ من فلسفة التاريخ فى الإسلام، يمكن أن تكون منطلقا لدراسة واسعة واعية، ويجب أن يعيها المؤمنون، ويدركوا أعماقها.

* * *

وبعد أن أدركنا حرية الدعوة، وحرية الاختيار، وخطر العقود عن قمع الفتنة، نقول: هل هذه هى بداية الحركة؟ أم إن هناك بداية تقوم عليها هذه الحركة الحضارية فى المنهاج الإسلامى للحضارة وتفسير التاريخ؟

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير