ثانيا: بأحوال آبائهم وأجدادهم {وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ}.
ثالثها: بأحوال الأرض ومن فيها {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً}.
رابعا: بأحوال السماء وما فيها ومن فيها {وَالسَّمَاءَ بِنَاءً}.
خامسا: بالعلاقة بين السماء والأرض {وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ}.
ثم انتهى إلى تقريب التوحيد نتيجة للعلم بهذه العلوم الخمسة فقال: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}.
أما تفاصيل هذا المنهج فشائقة فى القرآن الكريم، وهى ميدان الدراسات التى يجب أن يتجه إليها الأفهام على هذا الترتيب الدقيق، لاستنباط خصائص المعجزة القرآنية التعليمية والتربوية، حيث لم يتهيأ لها دارس يوفيها حقها إلى الآن.
ولكن الذى نلح فى الحث عليه هو أن القرآن حرص المسلمين على التدبر، مع استقلال الفكر، كما حرصتهم على استخدام جميع العلوم للوصول إلى التعين. بفلسفة التاريخ فى الإسلام، كما فى قوله تعالى: {وَعَاداً وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ} (العنكبوت:38).
وقوله: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا * ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ} (محمد:11)}.
وقوله: {أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْض} (الأعراف: من الآية185). وقوله: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا} (الرعد: من الآية41).
وقوله: {وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ} (يوسف:105). إلى آخر ما نعم الله على الناس من الجمود وسفاهة الفكر ورفض التأمل المستبصر الذى يمكن أن يصل إلى حرية الإرادة على الوجه الذى يتفق مع كرامة الإنسان.
وخلاصة القول: ان معرفة الله الواحد أول المعارف التى يجب أن يحيط بها المسلم قبل أن يمارس عمله فى الدعوة، وهذه المعرفة هى المعرفة عن طريق النظر العقلى فى النفس والتاريخ والأرض والسماء كما قلنا.
ويتبع هذه المعرفة العقلية الجهاد فى الله .. والجهاد فى الله يعنى استعمال القلب مع العقل فى معرفة الله تعالى، حتى يصل الإنسان إلى اليقين، وإلى الإيمان الشهودى الذى يحول الغيب إلى مشهود بالبصائر، والآخرة إلى حاضر لا يفارق الوجدان.
ومن هنا تنشأ المراقبة ... والمراقبة هى الميزان الذى يحقق الإرادة ويضبطها، فلا تنحرف عن سنن العقل، ولا عن حقيقة المنهج.
وبعد ذلك يسلك المسلم طريق معرفة سبيل الله، وهو معرفة الشريعة، ثم يجاهد فى سبيل الله بتنفيذ الشريعة، وتحويلها إلى سلوك عملى.
ثم يجاهد لإقرار هذا السلوك على أرض الدعوة، حتى ولو استدعى الحال استعمال السلاح لإسكان المعوفين المسيطرين على إرادة الناس، والواقفين فى سبيل حريتهم.
ومن هنا فقط يصلح الإنسان لأن يدعو إلى الله وإلى سبيل الله، دعوة ناجحة سريعة السريان بين المدعوين، لا دعوة هزيلة لا تؤتى ثمرة، ولا يتحرك صاحبها من مكانه، لأنها قامت على غير أساس من المعرفة والجهاد والإرادة المهتدية باليقين.
وتلك آفة العصر، وآفة كل عصر، أن يضع الإنسان نفسه فى غير موضعها، فيدعو قبل المعرفة، ويفتى قبل العلم، وهذه آفة عمت بها البلوى، ولكنها أشد؟ فى القلوب منها فى هذا العصر الذى نعيش فيه، لأن الإلحاد مقبل، والإسلام مدبر، وليس بيد الأدعياء يعود الإسلام إلى إقباله، والإلحاد إلى ادباره، ولكن بأيدى الخبراء المجاهدين، الذين أيقنوا، وأخلصوا دينهم لله وحده لا لغرض دينوى هزيل.
* * *
نعم، هنا صحوة إسلامية على أرض الإسلام فى كل بقاع الأرض، هناك شباب الإسلام، وفتيات الإسلام يتكاثرون كل يوم، وكلنا رجاء أن يكون هذا هو الجيل الموعود الذى يستبدله الله بهذا الجيل الذى طغى وبغى.
¥