إن عناصر القوة لدى أي أمة من الأمم تنقسم إلى مادية ومعنوية فالمادية تتمثل في الثروة المادية والقدرة القتالية، والمعنوية تشمل العقيدة والفكر والمبادئ التي تعتنقها تلك الأمة، ونحن الآن قد مُنعنا مصادر القوة وأسبابها بحصارٍ باد ٍ للعيان، منه كما أخبرني أحد أصحاب المخابر الطبية أنه لم يستطع استيراد ميزان إلكتروني دقيق من سويسرا لأنه يُعتبر من التِّقَانة العالية التي يُمنع توريدها إلينا. أما مالنا وثرواتنا فنملك الأرقام التي تمنحنا إياها البنوك الأجنبية وهم يتنعمون بها ويستفيدون منها ... و بذلك لم يبق من أسباب قوتنا إلا هذه العقيدة التي يسعون جهدهم لإطفاء نورها و إليك بعض أقوالهم:
يقول غلادستون: مادام القرآن موجودا ً في أيدي المسلمين فلن تستطيع أوروبا السيطرة على الشرق ولا أن تكون هي نفسها في أمان.
ويقول غاردنر: إن القوة التي تكمن في الإسلام هي التي تخيف أوروبا.
وأخيرا ً يقول بن غوريون: إن أخشى ما نخشاه أن يظهر في العرب محمد جديد.
ولمّا حاول الغرب تحييد القرآن وتحريفه وعجزوا عن ذلك، حاولوا تحريف معانيه بفلسفات متعددة أغلب زعمائها من اليهود والآن تأتينا الـ NLP لا لتواجه الإسلام مواجهة صريحة بل لتزاحمه في الحياة مزاحمةً.
فالغاية منها: جذب الشباب والشابات المفكرين ـ وليس الهامشيين ـ الذي يحبون التفكير والتميز ويتمنون الوصول إلى أهدافهم بأسرع وقت وأقصر طريق ويرجون تحسين أدائهم فيجدون في دعايات الـ NLP وعداً بالصحة للمريض والتميز للسليم وحلا ً لجميع ما يعترض حياتهم من مشكلات فيهرعون إليها ويسعون وراء قناعٍ براق من الصحة والتميز يخفي وراءه السم الزعاف من تشويه للعقل واستخفاف بالمتلقين فإذا بهم قد أنتجوا شباباً وشابات ما تحسن أداؤهم ولكن تشوه تفكيرهم يجرون وراء سراب ومحض خيال اشتروا الوهم بالمال وباعوا النفيس بالرخيص فاحتاجوا بعد ذلك إلى تنبيه وربما إلى معالجة نفسية وإعادة تأهيل إن أدركوا مرضهم، وإن لم يدركوا كان حالهم أدهى وأمَرّ.
وهناك جزء من المتلقين استفادوا من القالب الإداري والنفسي ولم يكترثوا لفرضياتهم وطبقوا جزءاً من علم الإدارة وعلم النفس في حياتهم وعملهم، فهؤلاء كانوا أقل المتلقين ضررا ً ولكن جلُّ المتلقين يأخذون ما ورد في الـ NLP على أنه مطلق الصحة فإذا ما تمكن من نفوسهم وجرى مجرى العادات وصارت فرضياته ملكة شوهاء في تفكيرهم، عاملوا الناس من خلالها وحكموا معتقداتهم بناءً عليها فأدى ذلك بهم إلى تقبل كل وافد خبيث وخسيس والاستهانة بكل مقدس وعقل ودين. وما علمنا شيئا ً يخدم الهجوم الفكري الأمريكي والغربي علينا مثل غسيل الدماغ هذا! فهل يتنبه الفضلاء والعقلاء والمسؤولون لهذا الخطر الداهم؟ ويتداركوا الأمة قبل تحييد شبابها وتشويه عقولهم؟
ـ الترويج لها
في وقت اتسعت فيه المعارف الإنسانية والأسواق وصار لزاماً على من أراد أن يجد له مكاناً وسط هذا الزحام أن يتميز، ومن أهم عوامل التميز أن يكون ملماً بعلم إدارة الأعمال والتسويق وما يتناوله من دراسات نفسية لاسيما السلوكية منها والتركيز على استراتيجيات الوصول إلى الأهداف فَعَلِمَ مهندسو الـ NLP هذه الفكرة ووضعوا نُصْبَ أعينهم المادة التي ينفثون من خلالها السم مع الدسم فلا بد لهم من قالب حسن وكما يقال:
يشبهُ البيضةَ لمّا أنتنت ............... قِشرها أبيضُ والباطِنُ جيفهْ
فكان القالب مأخوذاً من العلوم التي أسلفنا، ولهذا الأخذ هدف آخر يحققونه وهو أن المخدوعين بها لا يفتؤون يدافعون عنها لوجود هذه الأفكار المفيدة فيها، فيعزون كل نجاح إليها، غافلين عن أهدافها الهدامة وأفكارها الخبيثة.
وهنا أقول بأن الـ NLP لم تأت بجديد لا في علم النفس ولا في علم الإدارة و معظم محاسنها ـ إن وجدت ـ تطبيق لبعض قواعد العِلْمَين ونسبها إليها ..
خطورتها
1ـ الإغارة على تفكير الشباب قبل نضج تفكيرهم وذلك بتشويه الميزان العقلي السليم بفرضيات لا تلبث أن توظّف كمسلَّمات في مناقشة القضايا، ومحاولة تجريد الأمة من آخر معاقل ممانعتها للغزو الأجنبي وآخر عناصر قوتها.
2ـ الهروب من الواقع إلى الوهم والخيال والحصول بزعمهم على إمكانات وحلول مذهلة وبسرعة كبيرة خلافا ً للواقع الملموس.
3ـ الإغارة على ما في جيوب المتلقين من أموال وبيعهم دبلومات من أناس ٍ لم يحصّلوا في بعض الأحيان حتى على الشهادة الثانوية.
الأسلوب الأمثل للتعامل معها
وفي رأيي أن الأسلوب الأمثل للتعامل معها هو:
أولاًـ تبين زيفها وخطورة أهدافها والاستعاضة عن فرضياتها الخاطئة بما يصححها ويفرّغها من مضمونها الخبيث، كأن ندرّس مثلا ً كيفية الحصول على المعرفة اليقينية والظنية والأدلة على ذلك بدل قولهم " الخريطة ليست هي الواقع " وهَلُمَّ جرا.
ثانياًـ أن تدرس تحت اسم ـ تحسين الأداء ـ وليس الـ NLP بعد تعديلها. ونناشد المسؤولين في وزارة التعليم العالي للنهوض بهذا الأمر، وأن ينهد المتخصصون في الدراسات النفسية لدراسة هذا الوافد الجديد وأن تتابع حالة المتلقين التي نشك بأنها تحسنت ونكاد نجزم بأنها أصبحت بحالة مَرَضِيّة ربما لا غنى عن العلاج فيها.
وكذلك نناشد العلماء المخلصين للتصدي لهذا الخطر الداهم الذي يتهدد ديننا ومبادئنا لنبتعد عن مبادئ الإسلام فنكون لقمة سائغة لأعدائنا ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وآخر دعوانا أن الحمد الله رب العالمين.
الدكتور محمد معتز العرجاوي دمشق 15/ 4/ 2005
¥