2 - أن بعض الناس قد يكون ضعيفاً في إيصال الحجج والبراهين والأدلة التي تؤيد حقه مما يجعله في موقف الضعيف وهو صاحب الحق فلا سبيل لبيان ذلك إلا عن طريق المحامي الذي لديه المعرفة والقدرة على إيصال هذه الأدلة والحجج لبيان الحق ورد الباطل.
3 - أن كثيراً من أصحاب الحقوق قد يكون لدي مانع يعيقه من الحضور لمجلس القضاء كالمرأة التي لا ولي لها أو التي وليها ولا سبيل لرفع دعواها إلا عن طريق المحامي وكذا الشخص العاجز أو المريض أو البعيد أو من لا يريد لحجج الخصومة , فكل هؤلاء وغيرهم لا سبيل لهم لأخذ حقوقهم إلا عن طريق المحامي.
وقد يقول يقال أن المحامي قد يكون وسيلة لضياع الحقوق أو الدفاع عن الباطل, فنقول قد يكون ذلك ولكن هذه مفسدة بجانب عدة مصالح راجحة ولو أخذنا بهذا القول لقلنا بذلك بالنسبة للقاضي بل القاضي أشد خطراً أنه يفصل في الحقوق فقد يحكم بالباطل ويدافع عنه ويمكن تلافي كل ذلك بالعناية بهذه المهنة فلا يلتحق بها إلا من عرف بالأمانة والصدق وغيرهما من الخصال التي تتطلبها هذه المهنة.
الحكم الشرعي لاتخاذ المحاماة مهنة وحرفة:-
سبق أن ذكرنا أن مهنة المحاماة المعروفة اليوم هي وكالة بالخصومة والتي كانت معرفة في العصور الأولى من الفقه الإسلامي, وإن كانت المحاماة أعم وأشمل من الوكالة بالخصومة إذا تشمل الوكالة بالخصومة وغيرها من أوجه الوكالة عن الغير, لذا سوف نبين حكم اتخاذ الوكالة بالخصومة مهنة.
اتخاذ الوكالة بالخصومة مهنة وحرفة جائز من وجهين:-
الوجه الأول / الوكالة بالخصومة مشروعة في الجملة وقد دل على هذا الكتاب والسنة والآثارة والمعقول وما جرى به العمل. فمن كتابه قوله تعالى "إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها " (التوبة 60)
فقد أجاز الله تعالى نصب من يقوم بجمع الزكاة وتفريقها ورزقه منها وفي ذلك دلاله على مشروعية الوكالة. وقال تعالى " ولا تكن للخائنين خصيمًا " (النساء 105)
في الآية نهي عن المخاصمة للمبطل فدل على جواره في الحق. قال ابن سعدي " ويدل مفهوم الآية على جواز الدخول في نيابة الخصومة لمن لم يعرف من الظلم ".
ومن السنة حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال " كان لرجل على النبي صلى الله عليه وسلم سن من الإبل, فجاءه يتقاضاه فقال: أعطوه , فطلبوا فلم يجدوا له إلا سناً فوقها فقال: أعطوه:فقال: أوفينتي أوفي الله بك, قال: النبي صلى الله عليه وسلم: " إن خياكم أحسنكم قضاء " فقد وكل النبي صلى الله عليه وسلم من يقوم بدفع الحق عنه مع حضوره فدل على جواز الوكالة.
من الآثار ماجاء عن عبد الله بن جعفر أنه كان يحدث " آن علياً رضي الله عنه كان لا يحضر الخصومة وكان يقول: إن لها قحماً* يحفرها الشيطان فجعل خصومتة إلى عقيل, فلما كبر ورق حولها إلىَ, فكان علي يقول: ما قضي لوكيلي فلي وما قضي على وكيلي فعلي
قال ابن مازة: وهو يذكر فوائد هذا الأثر " ومنها: أن التوكيل بالخصومة جائز ".
من المعقول أن الإنسان يحتاج إلى الوكالة على الخصومة إما لعدم تفرغه وإما لصيانة نفسه عن الخصومات والمشاجرات وإما لعدم اهتدائه إلى معرفة الحجج والخصومات فجعل ذلك إلى غيره فناسب إجازة الشارع لها. (2)
.................................................. ...................................
1 - مجلة العدل العدد رقم (15) بحث الوكالة على الخصومة ابن خنين صـ47ـ.
2 - مجلة العدل العدد رقم (15) بحث الوكالة على الخصومة ابن خنين صـ44ـ.
* قحماً: أي مهالك لأن القحمة هي الهلكة (القاموس المحيط).
ما جرى به العمل
جرى العمل على جواز الوكالة بالخصومة ومشروعيتها وقد حكى ذلك غير واحد من أهل العلم. (1)
أ- قال السرخي: في معرض حديثه عن الوكالة على الخصومة " وقد جرى الرسم على التوكيل على أبواب القضاة من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا من غير نكير منكر ولا زجر زاجر ".
ب- قال السمناني: وهو يتحدث عن الوكالة بالخصومة " لأنه النبي صلى الله عليه وسلم وكل ..... وكذلك أئمته العدل ووجوه الصحابة والتابعين وهو عمل الناس في جميع الأمصار ".
أما ما ورد عن بعض أهل العلم مما يقتضي ظاهرة أن أجرة الوكالة على الخصومة حرام على آخذها حلال على معطيها. فهذا محمول على من كل رجلاً والوكيل يعلم بطلان الدعوى دون المدعي على الوكيل الوكالة وأجرتها أما المدعي فيجوز له بذل الأجرة للوكيل ولذا فإن اتخاذ هذه المهنة وآخذ الأجرة عليها مباح في الأصل. (1)
وفي فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء المنبثقة عن هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية ذات الرقم 3532 بناءً على الاستفسار الوارد إليهم برقم 73 في 21/ 1/1401هـ حول حكم الاشتغال في وظائف المحاماة أجابت اللجنة بما نصه " إذا كان في الاشتغال بالمحاماة أو القضاة إحقاق للحق وإبطال للباطل مشرعاً ورد الحقوق لأربابها , ونصر للمظلوم فهو مشروع لما في ذلك من التعاون على البر والتقوى , وألا فلا يجوز لما فيه من التعاون على الإثم والعدوان , قال الله تعالى " وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان "
وهذه الفتوى موقعة من أصحاب الفضيلة المشايخ عبد العزيز بن باز, وعبد الرزاق عفيفي, وعبد الله بن غديان وعبد الله بن قعود.
¥