تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقد روى أبو داود في سننه (4035) أن النبي –صلى الله عليه وسلم- اشترى حُلَّةً ببضعة وعشرين قلوصاً (ناقة) فأهداها إلى ذي يزن، وكان ملك ذي يزن أهدى إلى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- حلة أخذها بثلاثة وثلاثين بعيراً، أو ثلاث وثلاثين ناقة فقبلها. رواه أبو داود (4034) من حديث أنس – رضي الله عنه-، أما الموالاة المنهي عنها فهي موالاتهم في دينهم، أو مناصرتهم على المسلمين، قال سبحانه:"ومن يتولهم منكم فإنه منهم" [المائدة: 51] فمن تولاهم في جميع أمورهم التولي الكامل فهو منهم، ومن تولاهم في بعض أمورهم التي لا توصل إلى الكفر فعليه بقدر ما تولاهم به، ولمزيد من العلم أقدم لك بعض ما جاء في كتابي (مقدمة في الملل والنحل) حول موقف المسلم من أهل الملل، حيث جاء فيه: (في هذه المسألة ألفت مصنفات من أفضلها: أحكام أهل الملل للخلال، أحكام أهل الذمة لابن القيم، وكتب بعض المتأخرين والمعاصرين مصنفات في ذلك منها: جلاء الظلمة عن حقوق أهل الذمة لمصطفى الحنفي (لم يطبع)، (أحكام الذميين والمستأمنين في دار الإسلام) لعبد الكريم زيدان، (حقوق أهل الذمة في الدولة الإسلامية) للمودودي، (غير المسلمين في المجتمع الإسلامي) ليوسف القرضاوي، (إرشاد أولي الألباب إلى ما صح من معاملة أهل الكتاب) لجمال إسماعيل، وغيرها.

وأشير هنا إلى بعض أحكام التعامل معهم:

(1) العمل على دعوتهم إلى الله –سبحانه- بالوسائل المشروعة، وإخراجهم من الظلمات إلى النور، وإنقاذهم من شقاء الدنيا وعذاب الآخرة "فو الله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خيٌُر لك من أن يكون لك حمر النعم" رواه البخاري (2942)، ومسلم (2406) من حديث سهل بن سعد – رضي الله عنه-.

(2) الحذر من ظلمهم؛ لأن الظلم حرام مطلقاً، فلا يجوز أن يظلم أحد منهم في نفس أو مال أو عرض، فالذمي والمستأمن والمعاهد في دولة الإسلام وظل شريعة الرحمن يؤدى إليه حقه، فلا يظلم مثلاً في عرضه بغيبة أو نميمة، ولا في ماله بسرقة أو غش أو خيانة، ولا في بدنه بضرب أو قتل؛ لأن كونه معاهداً أو ذمياً في البلد أو مستأمناً يعصمه.

(3) يجوز التعامل معه في البيع والشراء والتأجير ونحو ذلك، فقد صح عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أنه اشترى من الكفار عباد الأوثان، واشترى من اليهود، وهذه معاملة، وقد توفي –صلى الله عليه وسلم- ودرعه مرهونة عند يهودي في طعام لأهله. قالت عائشة –رضي الله عنها-:"اشترى النبي –صلى الله عليه وسلم- طعاماً من يهودي إلى أجل ورهنه درعاً من حديد" (سبق تخريجه). قال ابن القيم –رحمه الله-: (ثبت عن النبي –صلى الله عليه وسلم- أنه اشترى من يهودي سلعة إلى الميسرة، وثبت عنه أنه أخذ من يهودي ثلاثين وسقاً من شعير ورهنه درعه، وفيه دليل على جواز معاملتهم، ورهنهم السلاح، وعلى الرهن في الحضر، وثبت عنه أنه زارعهم وساقاهم).

(4) ولا يجوز بدؤهم بالسلام، ولكن إذا سلم أحدهم أن يقال له: وعليكم؛ لقول النبي –صلى الله عليه وسلم-:"لا تبدؤوا اليهود ولا النصارى بالسلام" رواه مسلم (2167) من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه-. وقال – صلى الله عليه وسلم-:"إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا: وعليكم". متفق عليه عند البخاري (6258)، ومسلم (2163)، من حديث أنس – رضي الله عنه-.

(5) برهم من غير مودة باطنة كالرفق بضعيفهم وسد خلة فقيرهم، وإطعام جائعهم وإكساء عاريهم، ولين القول لهم على سبيل التلطف بهم والرحمة لا الخوف والذلة، ومن ذلك حسن الجوار، فإذا كان جاراً لك تحسن إليه ولا تؤذيه في جواره، وتتصدق عليه إن كان فقيراً، أو تهدي إليه إن كان غنياً، وتنصح له فيما ينفعه، وتحتمل أذاه؛ لأن الجار له حق عظيم، وربما يكون هذا من دواعي إسلامه، قال تعالى:"لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ" [الممتحنة:8].

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير