وحَظْرُ الغِنَاءِ الأكثرُونَ قَضَوا بهِ ... وَعَنْ أبَوَي بَكْرٍ إمَامٍ ومُقتَدِ
إباحتُهُ لا كُرهُهُ وأبَاحَهُ الـ ... إمامُ أبو يعلى مَعَ الكُرهِ فَاشْهَدِ
فمَنْ يَسْتَتِرْ في بَيتِهِ لِسمَاعهِ الـ ... غِناءَ ولم يُكثْرْ ولَمْ يَتَزَيَّدِ
وَغَنَّى يَسِيْراً فِي خَفَاءٍ لِنَفْسِهِ ... فَلا بَأسَ وَاقْبَلْ إنْ يُرَجِّعْ وَيُنْشدِ
قال السَّفَّارِينِي شارحاً للمنظومة: " فعلى المذهب من يستتر منَ الرجال والنساءِ في بيتهِ لأجلِ سماعِ الغناء ولم يُكثر من ذلكَ ولم يتزيد منهُ، ولم يقترن بآلة لهوٍ، ولم يكُن المُغني امرأة أجنبيةٌ لِحُرمةِ التلذذ بصوتها، بل غَنَّى غِناءً غَيرَ كَثيرٍ، فإن أكثرَ مِنهُ رُدَّت شهَادتُهُ؛ لأنه سَفَاهَة ٌ ودَناءَةٌ يُسقِطُ المُروءةَ، وأما إن غَنَّى يَسيراً في حَالِ خَفاءٍ لِنفسِهِ ولم يَتخذهُ صِناعَةً يُداومْهُ على ما مَرَّ فلا بأسَ ولا حرج ولا حُرمة ". (17)
المبحث الثالث: الغناء المحرم.
إن الغِناء المحرم هو ما اشتمل على الكلام المحرم سواءً صاحبَهُ آلاتُ اللهو أم لا، وأما آلات اللهو فهي محرمة بالإجماع، وقد بين العلماء رحمهم الله تعالى حرمة هذا الغناءَ والذي أصبح ذلك الاسم علماً عليه.
قال الإمام ابن الجوزي: " وقد أخرجوا لهذه الأغاني ألحاناً مختلفةً كُلها تُخرجُ سامعها عن حَيزِ الاعتدالِ وتُثير حُبَّ الهوى .. وقد أضافوا إلى ذلك ضرب القضيب والإيقاع به على وفق الإنشاد والدفِّ بالجَلاجِلِ، والشَّبَابةِ النائة عن الزمر، فهذا الغناء المعروف اليوم ". (18)
* قال ابن مسعود 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ -: " الغِناءُ يُنبت النفاق في القلب كما يُبتُ الماءُ الزرعَ ". (19)
* وكتب الخليفةُ العادل عُمرُ بن عبدالعزيز إلى مؤدب ولده: " وليُكن أولَ ما يعتقدونَ من أدبكَ بُغضُ الملاهي التي بدؤها من الشيطان ن وعاقبتها سَخطُ الرحمن، فإنه بلغني عن الثقات من حملة العلم أن حُضُورَ المعازفِ واستماعُ الأغاني، واللهَجُ بهما يُنبتُ النفاق في القلب كما يُنبتُ العُشبَ الماءُ ". (20)
* وسُئل الإمامُ الفقيه القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق عن الغِناء؟ فقال: " أنهاكَ عنهُ وأكرهُهُ لكَ. قال: أحرامٌ هو؟ قال: انظر يا ابن أخي إذا ميز اللهُ الحقَّ مِن الباطلِ في أيهِمَا يُجعلُ الغِناءُ؟ ". (21)
* وقال يزيد بن الوليد الأموي: " يا بني أمية: إياكم والغِناءَ؛ فإنه يُنقصُ الحياءَ، ويَزيدُ الشهوةَ ن ويهدمُ المروءةَ، وإنهُ لينُوبُ عن الخمرِ، ويفعلُ ما يفعلُهُ السُّكرُ، فإن كنتُم لا بُدَّ فاعلينَ فجنِّبوهُ النساءَ، فإن الغناء رقية الزنا ". (22)
* وقال الشَّعبِي: " لعنَ اللهُ المُغنِّي والمُغنَّى لهُ ". (23)
* وقال الحكُم: " حُبُّ السَّماعِ يُنبتُ النفاق في القلب ". (24)
* وقال الفُضيلُ بنُ عِياضٍ: " الغِناءُ رُقيةُ الزِّنا ". (25)
* وقال الضحَّاك: " الغِناءُ مفسدةٌ للقلبِ مسخطةٌ للرب ". (26)
* وأما الإمامُ أبو حنيفةً: فإنه يكره الغناء ويجعل سماعَ الغِناءِ من الذنوب، وكذلك مذهب سائر أهل الكوفة، وسُفيان الثوري، وحماد، وإبراهيم النخعي، والشعبي وغيرهم، لا اختلافَ بينهم في ذلك ن ولا يُعرفُ أيضاً بين أهل البصرة خِلافاً في كراهية ذلك والمنع منهُ ". (27)
وقال القاضي أبو يوسف صاحب أبي حنيفة – في دارٍ يُسمعُ منها صوتُ المَعازفِ والمَلاهي -: " اُدخُلْ عَليهم بغير إذنِهم؛ لأن النهي عن المُنكر فرضٌ، لو لم يَجُزْ الدخولُ بغير إذنٍ لامْتَنَعَ الناسُ من إقَامَةِ الفَرضِ ".
قال الإمام ابن القيم: " مذهبُ أبي حنيفة في ذلك من أشد المذاهب وقولهُ فيه أغلظ الأقوال، وقد صرَّح أصحابهُ بتحريم سماع الملاهي كلها كالمزمار والدف، حتى الضربَ بالقضيبِ، وصرحوا بأنه معصيةٌ يوجبُ الفِسقَ وتُردُّ به الشهادةُ، وأبلغُ من ذلكَ أنهم قالوا إن السماعَ فِسقٌ والتلذذُ بهِ كُفرٌ ". (28)
* وقال إسحاق بنُ عيسى الطَّباع سألتُ مالكَ بن أنس عن ما يترخصُ فيه أهل المدينة من الغِناء؟ فقال: " إنما يفعلهُ عِندنا الفُسَّاقُ ". (29)
¥