ويفهم من كلام الامام ابن القيم قدس الله روحه ان ذلك عائد الى النية وما يستقر عليه المرء , فان كان قد استقر عنده العزم على ترك المعاصي وبغضها فهو يسعى جاهدا لاجتنابها والتوقي منها بترك جميع اسبابها ويعمل على سد فجاجها صابرا محتسبا واذا عرضت له المعصية جاهد نفسه على تركها ولكنه ضعف بسبب طبيعته لا حبا فيها فقارفها وهو كاره لها ثم تندم بعدها واستغفر مع عزمه على عدم العود اليها فهذا باذن الله يوفق للتوبة الصادقة وحسن الخاتمة
واما ان كان قد جعل في نيته انه سيذنب ويستغفر من دون فعل لاسباب الهجر ويعلل ذلك بضعف النفس وحكم الطبيعة البشرية وان الله سيغفر له اذا استغفر وانه كلما اذنب سيستغفر فهذا ليس عزما على الترك بل هو تمهيد للنفس ودفع لها الى المعصية من دون ان يشعر وهذا من تزيين الشيطان لعمل السو ء فيظنه حسنا فهذا قد يحال بينه وبين التوبة فيستحسن فعل السوء حتى يختم له به نسأل الله السلامة والعافية
واذا تأملت دعاء الاستغفار وجدت هذا المعنى , فقوله (وانا على عهدك ووعدك) معناه: عقد العزم على الطاعة واجتناب المعصية , وقوله (ما استطعت) فيه معنى بذل الطاقة والوسع في اتمام ما عزم عليه ويدخل فيه عمل الاسباب من فعل وترك كما قدمنا , كما يدخل فيه معنى عدم المؤاخذة فيما لم يستطاع ممن غلبته نفسه بحكم الطبيعة فأوقعته في الذنب وهو كاره , وقوله بعده (اعوذ بك من شر ما صنعت) دليل الكراهة والبغض للمعصية , وقوله (ابوء لك ..... ) دليل الاقبال والخضوع والتجرد
ولكن ما هي علامات صدق العزم على هجر المعاصي؟
اذا جعل الانسان في نيته ذلك فان صدقت نيته وصح عزمه فانه يوفق باذن الله الى اجتثاث جذور المعصية وهي اسبابها الداعية اليها فمن كان مبتلى مثلا بالغيبة اذا جلس مع فلان فانه يهجره _ بشرطها _ كليا بلا تردد , ومن كان مبتلى بمشاهدة الحرام عبر الانترنت فعليه ان يتخلص من الجهاز بالكلية في اسرع وقت ولو تصدق به كفارة لفعله فهو افضل بل وكان دليلا على صدقه.
وهنا اشكال! فقد يشكل على البعض انه محتاج للانترنت فماذا يفعل!
هنا لا بد من اعمال المصالح والمفاسد فأيهما كان ارجح قدم.
ولا اظن ان سلامة الدين يعدلها شيء!
واما بشأن ما يرومه من الفائدة فما اوسع ابوابها ومن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه مع انه يستطيع تحصيل ما يحتاجه منه بأمان ولا يكلفه ذلك الا ان يتصل على احد اخوانه فيزوده منه بما يريد.
واما ان يبقيه عنده وهو لا يأمن على نفسه منه فذلك غرور من الشيطان ولا خير في علم من وراء معصية، وما ضر العلماء الاولين اذ جهلوه!
فان كان ولا بد مبقيه فلينظر: فان عاد الى الحرام ثانية فليعلم انه لن يستطيع الفكاك من الحرام الا بالفكاك من سببه فلا يبيتن ليلته تلك الا وقد اخرجه من منزله فانه لا يامن على نفسه ان يموت تلك الليلة ولربما سامر الحرام ليلته تلك فمات عليه وما اقبحها من ميتة وما اعظمها من فضيحة وليت شعري كيف سيواجه ظلمة القبر وفتنته , والحساب وشدته.
كما ينبغي على التائب من الذنب ان يستحضره دائما بين عينيه (وابوء بذنبي) وان يحتقر نفسه ويقارنها بذوي الفضائل والهمم وكيف انهم يترقون في الفضل والخير وهو لم يزل اسير نفسه المهينة ضعيف الهمة نزيل الظلمة قد تلبس بشعب النفاق ورضي بالدون , والناس من حوله يدعونه بالشيخ! _وليسألن والله عنها_ وهو احقر حتى ان ينادى باسمه.
وعليه ان يرجيء العلم قليلا و يكثر من قراءة سير الصالحين فان فيها من الخير كما روي عن ابي حنيفة رحمه الله قوله (سير الصالحين احب الينا من كثير من العلم) و يكثر من التعبد والصلاة والنوافل والاستغفار والمسكنة والخضوع لله ودعاءه المغفرة والتثبيت ف (ان الحسنات يذهبن السيئات) ويعاهد نفسه على حسن العبادة والاجتهاد فيها وان يري الله من نفسه خيرا كما جاء عن احد الصحابة رضوان الله عليه لما فاتته غزوة بدر - ان لم اكن واهما - انه عاهد ربه بقوله (ليرين الله ما اصنع) وهذا انما كان منه بسبب ما فاته من الخير وربما لم يكن له يد فيه فما بالك بمن فعل المعصية!
¥