تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[مرارة الطلب]

ـ[أبو معاذ الأثري]ــــــــ[06 - 03 - 07, 07:27 ص]ـ

[مرارة الطلب]

فإن من أعظم سعادةِ الرُّوحِ , والقلبِ , والبدنِ , طلب العلم النافع؛ الذي يدل على الله ويقرب العبد منه , فإن في مشقة هذا العلم لذة لا تعدلها لذة , ولولا جهل الأكثرين بحلاوةِ هذه اللذة , وعِظَمِ قدرها لتجالدوا عليه بالسيوف , ولكن حُجبوا عنها بحجاب من جهل , ليخص الله من شاء به من عباده , والله ذو فضلٍ عظيم , وقد يتعرض الطالب في أول الطلب إلى مرارة وغصص بسبب ما تراكم على القلب من أمراض الجهل ولكن سرعان ما تزول بالصبر والاستمرار.

لقد دل الله عليهم , وأرشد إليهم فقال تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (43)} [سورة النحل: 43]

وقال تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (122)} [سورة التوبة: 122]

فالعلماء هم صمام أمن الأمة, وبها يعلي الله قدرها ويرفع شأنها, وهم ورثة النبي صلى الله عليه وسلم, وتفرغهم للعلم وطلبه مطلب أساسي يجب على الأمة أن تدركه.

وأفضل الإنفاق , وأقرب الصَّدقات , وأعظم القُرُبات؛ ما تقرب به العبد في نشر العلم والإعانة عليه , وأن يطلب الأتقياء المعرضين عن الدُّنيا المتجردين لتجارة الآخرة؛ الَّذِين يستعينون بهذه الصَّدقة على طاعة الله , فتكون شريكًا لهم في طاعته سبحانه وتعالى بإعناتك إياهم , فإن همم هؤلاء لله؛ فإن طرقتها فاقة تشتَّتَ هَمُّه , فلئن تَرُدَّ هَمَّ أحدهم إلى الله تَعَالَى؛ خيرٌ لك من أن تُعْطِي ألفًا ممن همته الدُّنيا , فالعلم أشرف العبادات , وأصحابه مشغولون به , فإن انقطعوا لغيره ضيَّعوه , فهم أولى أن تنفق لهم الأموال , ويبذل لهم الفضل , وتتجه إليهم القلوب؛ لأن الكُلَّ عنهم غافل , فهم مستترون مخفيون , لا يكثرون البث والشَّكوى , قَالَ تَعَالَى: {يَحْسَبُهُمْ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ من التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لا يَسْأَلُونَ النَّاس إِلْحَافًا} [سورة البقرة: 273]

ولقد بين النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه لا حسد في مال إلا لمنفق أنفق ماله وأهلكه في الحقِّ.

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ , رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَسُلِّطَ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ , وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْحِكْمَةَ فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا. (1)

فانظر كيف قَرَن النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين العلم والنَّفَقة في من يستحق أن يغبطه النَّاس ويستوجب الحسد؛ من رزق بركة العلم فهو أعلى الدَّرجات وفي من ينفق ماله في الحقِّ , وليس هناك حق أفضل من الإنفاق على طلبة العلم , وفي نشر العلم.

وكان لابن المبارك السبق في ذلك , فكان ينفق على جُلِّ علماء زمانه ويفتخر بهذا ويفرح , ليحض على معونة ومساعدة هؤلاء , ولقد كان العلماء يفرحون بصلته ويعظمونها لما يعلمون أنها من خالص الحلال رغم أن غالبهم كان يرد صلة الخلفاء والأمراء.

فالوقف على طلبة العلم والعلماء وكفايتهم مؤنة الدنيا وتفريغهم للعلم الشرعي من أعظم القربات وأجل ما يبذله العبد في باب الصدقات.

قال حبان بن موسى: "عوتب ابن المبارك فيما يفرق من المال في البلدان دون بلده, فقال: إني أعرف مكان قوم لهم فضل وصدق, طلبوا الحديث فأحسنوا طلبه لحاجة الناس إليهم, احتاجوا! فإن تركناهم ضاع علمهم, وإن أعناهم بثوا العلم لأمة محمد - صلى الله عليه وسلم - ولا أعلم بعد النبوة أفضل من بث العلم". (2)

فأفضل نعمة طلب العلم ومن أعانه على الطلب فهما في الأجر سواء.

فالإنفاق على العلم من الإنفاق في سبيل اللَّه وطرق الخير والبر، إذ هو من أعظم جهات البر، وقد جعل بعض العلماء الإنفاق على العلم يعدل الإنفاق على الجهاد في سبيل اللَّه، لما روى أنس رضي اللَّه عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ خَرَجَ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ كَانَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى يَرْجِعَ». (3)

ولأن الجهاد جهادان:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير