وإنما المقصود أن يضع يديه مجرد وضع على الأرض ولا يبرك بقوة فآخر الحديث يشهد لأوله وهو أرجح من حديث وائل (كان النبي عليه الصلاة والسلام إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه) وقال في حديث وائل (وضع) فالملاحظ الوضع في الحالين ولذا شيخ الإسلام لم يرجح بين الحديثين بل يرى أن المصلي إن قدم يديه بمجرد الوضع أو قدم ركبتيه بمجرد الوضع فالأمر لا يختلف لأن هذا جاء من فعله وذاك جاء من أمره لكن من يريد الترجيح بين الأمرين فحديث أبي هريرة وفيه تقديم اليدين أرجح من حديث وائل فإن له شاهداً من حديث ابن عمر.
41. الأذان إذا أطلق فإنه ينصرف إلى الأذان المعروف لا الإقامة وأما الإقامة وإن كان فيها إعلام بقرب القيام إلى الصلاة إلا أن الكلمة عند الإطلاق لا تنصرف إليها.
42. جاء في الخبر (إذا تغولت الغيلان فبادروا بالأذان) والغيلان نوع من الجن فإذا تراءت للناس فالمشروع المبادرة بالأذان حتى يكفيهم الله شرها.
43. (وعن ابن عمر وعائشة رضي الله عنهم قالا) الترضي يعود على عمر وابنه وعائشة والقول يعود على ابن عمر وعائشة.
44. (إن بلالاً يؤذن بليل) يعني قبل طلوع الصبح لقوله (فكلوا واشربوا) وابن أم مكتوم يؤذن على طلوع الصبح (وكان رجلاً أعمى لا ينادي حتى يقال له أصبحت أصبحت) يعني دخلت في الصباح. وقوله (لا ينادي .. ) مدرج في الحديث إما من ابن عمر وإما من الزهري ودليل الإدراج أنه جاء في بعض الروايات في البخاري (إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم قال وكان رجلاً أعمى لا ينادي حتى يقال له أصبحت أصبحت).
45. (أصبحت) قد تطلق هذه الكلمة ويراد بها حقيقتها وهي الدخول الفعلي في الصباح وهو الأصل في معناها وقد يراد بها أخذ الحيطة والحذر فقد يتأخر الإنسان في الأكل فيقرب من طلوع الصبح فيقال (أصبحت) وقد يزاد في المبالغة فيقال (أضحيت) خشية أن يأكل في غير وقت الأكل.
46. المقصود أن الأذان المتقدم على طلوع الصبح لا يمنع من الأكل كما أنه لا يبيح الصلاة والحديث يدل على جواز اتخاذ مؤذِّنَيْن.
47. ليس هناك فاصل كبير بين الأذانين وإنما غاية ما هنالك أن ينزل هذا ويصعد هذا كما في بعض الروايات.
48. فيه دليل على جواز قبول خبر المؤذن وإن كان واحداً فالأذان إخبار بدخول الوقت والمفترض في المؤذن أن يكون ثقة فإذا أذن قبلنا خبره بلا نظر في تقويم أو غياب شمس ونحو ذلك بل يقبل خبره إذا كان ثقة ولو كان أعمى.
49. جواز ذكر الإنسان بعاهته إذا كان القصد من ذلك مجرد التعريف ولم يقصد بذلك شينه ولا عيبه (عبس وتولى ... ) فلم يقصد عيبه ولكن للحاجة الداعية إلى ذكر هذه العاهة لتعريف السامع بالسبب فإذا كانت العاهة لها أثر في الخبر كما هنا فإنها تذكر وكذا إذا كان الشخص لا يعرف إلا بها كالأعمش والأعرج ولا يقصد بذلك شينه ولا عيبه وهذا مستفيض عند أهل العلم.
50. جواز نسبة الرجل إلى أمه إذا كان لا يكره ذلك أو كانت الأم أشهر من الأب ولم يكن القصد من ذلك الحط من قيمته ولا ازدراء أبيه وإنما هو لمجرد التعريف والأصل (ادعوهم لآبائهم) فإذا كان يكره النسبة إلى أمه أو كان أبوه أشهر من أمه فلا يجوز أن يدعى بأمه.
51. (يوم ندعواْ كل أناس بإمامهم) يوم القيامة يدعى الإنسان بأحب الأسماء إليه لكن ما معنى (بإمامهم)؟ هل المراد به جمع أم أو المراد به الإمام المتبوع؟ المراد به الإمام المتبوع لكن من أهل العلم من شذ وقال إن الناس يدعون يوم القيامة بأمهاتهم لأن (بإمامهم) جمع أم ولا عُهِدَ أن الأم تجمع على (إمام) وإنما تجمع على (أمات) و (أمهات) لكن هؤلاء يعللون لهذا القول بأن فيه تشريفاً لعيسى حيث يدعى لأمه وستراً على أولاد الزنا لأن ولد الزنا ينسب إلى أمه ولا ينسب إلى أبيه (للعاهر الحجر).
52. إذا وثق بالصوت فإن الخبر يقبل من وراء حجاب فيجوز أن تروي عمن لا ترى شخصه إذا وثقت بصوته كما أنه يجوز لك أن تروي عنه وجادةً إذا جزمت بأن هذا خطه وإن لم تسمعه من كلامه وشعبة بن الحجاج يمنع من الرواية إذا لم ير الشخص لئلا يتلبس الشيطان ببعض الناس ويحدثهم فينقلون عنه والراجح في هذا قول الجمهور.
53. الإدراج إذا كان لمجرد تفسير كلمة غريبة أو لتوضيح كلام موجود في أصل المتن لا إشكال فيه وهو كثير في النصوص لكن إذا وجد الإدراج بحيث أن هذا الراوي المدرِج لا ينبه على هذا الكلام المدرَج في بعض المجالس بحيث يروى عنه من بعض الطرق أنه من كلامه أي لم يفصل بين كلامه وبين كلام النبي عليه الصلاة والسلام في بعض المجالس وأوهم الناس أن هذا من كلامه عليه الصلاة والسلام فمثل هذا حرام.
54. يعرف المدرَج بجمع الطرق فالمدرِج يأتي في بعض الطرق ما يدل على أنه هو الذي زاد هذا الكلام.
55. اتخاذ مؤذنين في آنٍ واحد منع منه قوم لأنه يحصل به التشويش ويشوش بعضهم على بعض وعلى هذا إذا أمن التشويش وصار في اجتماع الصوتين قوة في الصوت فإنه لا يمنع منه وإذا وجد في المسجد أكثر من منارة وهي متباعدة لكبر المسجد بحيث يضعف صوت من عن يسار المسجد عن يمين المسجد فلا يسمعه من عن يمين المسجد وكذلك العكس فمن منع لأجل التشويش فمثل هذا يحقق مصلحة ولا يوجد تشويش على أنه لو أذن من على جهة اليمين أولاً فلما فرغ أذن من على جهة الشمال فلا بأس وأما أذانهما في آنٍ واحد فهو غير مأثور. هذا كان موجوداً في المسجد النبوي في آنٍ واحد يؤذنون ثم منع منه.
56. الذي يقابل المحفوظ الشاذ وهو مخالفة الثقة من هو أوثق منه.
57. قيل عن حديث (ألا إن العبد نام) أنه غير محفوظ وعليه فهو شاذ للمخالفة بينه وبين حديث (إن بلالاً يؤذن بليل) لأنه في هذا الحديث أمره بالرجوع فينادي (ألا إن العبد نام) وفي ذاك لم يأمره بالرجوع فحصلت المخالفة بين الحديثين لأنه لا يتصور أن يأمره النبي عليه الصلاة والسلام بأن يقول ناد في الناس (ألا إن العبد نام) مع أنه يؤذن بليل كما في الحديث المتفق عليه وعليه فالحديث شاذ مخالف لما هو أقوى منه.
¥