وبهذا يتبين أن مخرمة يروي عن أبيه بالوجادة لا بالسماع، وقد زعم بعضهم أن الإمام مسلماً رحمه الله إنما خرج له لكونه عاصره ولو لم يثبت اللقي أو السماع وهذا الزعم لا شيء،لأن مسلماً لا يرى التخريج لمن ثبت عدم سماعه، ومخرمة بشهادته على نفسه لم يسمع من أبيه ولذلك استدرك الإمام الدارقطني هذا الخبر على الإمام مسلم رحمه الله إذ كيف يخرج حديثا ً منقطعاً ظاهر الإنقطاع.
العلة الثانية: أنه موقوف على أبي بردة وقد تفرد بكير بن الأشج وهو مدني ثقة ولكن أبا بردة كوفي وقد روى أهل الكوفة هذا الخبر عن أبي بردة ولم يتجاوزوه منهم أبو اسحاق وواصل الأحدب ومعاوية بن قرة وغيرهم وهؤلاء كوفيون ورواية الكوفي عن الكوفي أولى من رواية المدني عن الكوفي خصوصاً لمثل هؤلاء الجمع وتبين من هذا أن الخبر معلول بعلتين.
فعليه لا يصح الاستدلال به على أن ساعة الإجابة ما بين أن يدخل الإمام إلى أن تقضى الصلاة لأن الخبر من قول أبي بردة وهو تابعي.
وقد اختلف العلماء رحمهم الله في ساعة الإجابة على أكثر من أربعين قولاً سردها كلها الحافظ ابن حجر في فتح الباري وهي أقوال متقاربة يمكن ضم بعضها إلى بعض وفي بعضها تداخل وعند التحقيق لا تتجاوز عشرة.
والحق أن ساعة الإجابة هي آخر ساعة من عصر يوم الجمعة، فعن عبدالله بن سلام أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " هي آخر ساعات النهار "، وهذا رواه ابن ماجة من طريق أبي النظر عن أبي سلمة عن عبدالله بن سلام عن النبي صلى الله عليه وسلم به، ورواته كلهم ثقات.
وروى أبو داود والنسائي وصححه الحاكم من طريق عمرو بن الحارث أن الجلاح حدثه أن أبا سلمة حدثه عن جابر بن عبدالله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " يوم الجمعة ثنتا عشرة ساعة لا يوجد مسلم يسأل الله فيها شيئاً إلا آتاه الله عز وجل فالتمسوها آخر ساعة من بعد العصر ".
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري إسناده حسن، فعلى هذا فقول الحافظ في تخريجه (ما بين صلاة العصر إلى أن تغرب الشمس) ينافي ألفاظ تخريج هذا الحديث فالحديث الأول هي آخر ساعات النهار، والحديث الثاني هي آخر ساعه من بعد العصر وليس في الحديثين أنها من بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس.
وهذان الحديثان صريحان في تحديد ساعة الإجابة يوم الجمعة وأنها آخر ساعة من بعد العصر من يوم الجمعة، وقد ذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله في فتح الباري أن سعيد بن منصور روى بسند صحيح عن أبي سلمة بن عبدالرحمن أن ناساً من الصحابة اجتمعوا فتذاكروا ساعة الإجابة من يوم الجمعة فلم يخرجوا حتى اتفقوا على أنها في آخر ساعة في يوم الجمعة.
وهذا مذهب جماهير العلماء واختاره اسحاق والإمام احمد رحمهم الله، وهو الحق الذي دلت عليه أكثر الأخبار، وقد قال بعضهم إن ساعة الإجابة في يوم الجمعة كليلة القدر علمها عند الله لكي يجتهد الناس في الدعاء، وأصحاب هذا القول لعلهم يحملون الأحاديث المصرحة على أنها آخر ساعة من بعد صلاة العصر على المضنة وأن هذه الساعة أرجى من غيرها ولا يلزم من هذا أن تكون محققة، قال أصحاب هذا القول والحكمة من إخفائها لكي لا يتكل الناس على آخر ساعة من بعد العصر ويدعون الدعاء فيما قبل ذلك فإخفائها في غاية الحكمة وفي غاية المصلحة، وهذا القول قوي جداً لولا قوله صلى الله عليه وسلم " فالتمسوها في آخر ساعة من بعد العصر "، إلا أنه قد يقال هذا الخبر لا ينفي طلبها في غير هذه الساعة ولكن يشكل عليه حديث عبدالله بن سلام هي آخر ساعات النهار.
فيستحب للمسلم أن يدعو في هذه الساعات لعل الله أن يستجيب دعاءه فيغفر ذنبه ويطهر قلبه ويحصن فرجه، والدعاء بحد ذاته عبادة فلا يعجل المسلم يقول دعوت ودعوت فلم يستجب لي فلربما تأخرت الإجابة لمصالح عديدة ولربما كان الدعاء فيه اعتداء فلم يستجب ولربما كان الدعاء في قطيعة رحم فلم يستجب ولربما كان الداعي يأكل الحرام ويظلم الناس ويتعاطى الربا فلم يستجب دعاؤه لأن للدعاء شروطاً لا بد من تحققها حتى يستجاب الدعاء، فإذا توفرت الشروط وانتفت الموانع فالدعاء حينئذ لا يكاد يرد.
ـ[عبد الملك السلفى]ــــــــ[07 - 06 - 08, 08:06 ص]ـ
جزاكم الله خيرا وجعله في ميزان حسناتكم