تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

(اعتمدت الوهابية الإصلاح الديني، واستعملت ما توفر لها من وسائل فرضتها ظروف المجتمع الذي عاش فيه محمد بن عبد الوهاب، فحاربت الإستغاثة بالموتى، والتبرك بالشجر، وتقديس الحجر (نوع من الطوطيمية البدائية). وكما أن التقدمية تدعو الملتزمين إلى الإندماج في صفوف الطبقة المحرومة، كان ابن عبد الوهاب إلى جانب المستضعفين والفقراء، يحيا، ويعادي مستغليهم. تضايق هؤلاء من مواقفه وتآمروا على اغتياله. ولما سلم من مكرهم لم يخف بطشهم ومكائدهم، فواصل عمله والمستضعفين معه، يحاربون البدع والخرافات بنفس الإيمان الذي يحاربون به الظلم والفقر. وعندما انتشرت السلفية الوهابية ووعاها الناس اضطرت أن تبحث عن أداة تنفذ بها برنامجها الإصلاحي والسياسي، فتحالفت مع الأمير ابن سعود، بعد أن إقتنع هذا الأخير بصلاحية الإتجاه الوهابي ومبادئه:

- “ الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر ” (تجنيد جميع الأفراد لتطهير المجتمع).

- “ استقامة الشرائع ” (حتى لا تكون فتنة ولا فوضى ويجب احترام الدستور).

- “ الجهاد في سبيل الله ” (حروب دفاعية عن النفس، وعن الوطن) (31).

ويعنى دارس آخر هو الدكتور محمد الكتاني ببلورة موقع الشيخ محمد بن عبد الوهاب في تاريخ الدعوة السلفية فيقرر بأنه يعتبر أول من وضع كتاباً مذهبياً لمجال هذه الدعوة. وفي ذلك يقول:

(والملاحظ - على العموم - أنه في تحديد مجال الدعوة لا نقف على شيء مضبوط فيما يخص هذا التحديد ولاسيما في العهود التي سبقت ظهور حركة محمد بن عبد الوهاب - أو على الأقل هذا ما انتهيت إليه أنا في بحثي وفيما بين يدي من مراجع - أما ابن عبد الوهاب فيمكن أن يعتبر أول من وضع ما يمكن أن يسمى دستوراً لهذه الحركة وبالتعبير العصري أول من وضع كتاباً مذهبياً لمجال هذه الحركة فيما رآه هو مجالاً لها، وكتابه في مضمونه العام يحدد موقفه من العقيدة، حيث إنها - وكما أشرنا قبل - أهم نقطة احتد فيها الصراع بين السلفية وما سواها من المذاهب - فنص على اتباع مذهب السنة والجماعة، واتباع طريقتهم في إثبات صفات الله على ظاهرها بدون تأويل واعتقاد حقائقها، وتفويض أمرها إلى الله على طريقة قول مالك في رده على من سأله: كيف استوى على العرش؟ حيث رد: الإستواء معلوم والكيف مجهول، والسؤال عن ذلك بدعة) (32).

أما الدكتور محمد العابد الجابري فيعتبر دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب بداية “ التنوير ” بالعالم العربي في العصر الحديث وليس الثورة الفرنسية. يقول:

( ... الحقيقة التي يمدنا بها التاريخ، تاريخ العالم العربي في القرن الماضي والعقود الأولى من هذا القرن هي أن الحركة التي كان لها صدى واسع في جميع أقطار العالم العربي، وكان لها حضور فعلي في كثير منها هي الحركة الوهابية التي قامت قبل الثورة الفرنسية بإثنين وأربعين سنة ( ... ) ولا نبالغ إذا قلنا - وهذا على سبيل التوضيح فقط - إن تأثير الحركة الوهابية في العالم العربي زمن الثورة الفرنسية كان يضاهي تأثير هذه الثورة الفرنسية في الأقطار الأوروبية، بل ربما كان أقوى، فقد ظهرت حركات مماثلة تشكل نوعاً من الامتداد لها في أقطار عربية كثيرة: في اليمن قام الإمام الشوكاني (1758 - 1843) على رأس دعوة مشابهة لدعوة ابن عبد الوهاب.

وفي المغرب الأقصى تبنت الدولة الدعوة الوهابية إيديولوجية لها منذ أيام الثورة الفرنسية إلى أواخر القرن الماضي حينما أخذت الوهابية فيه تتطور إلى سلفية جديدة. وبين المغرب واليمن كان حضور الوهابية متعدد الأشكال: السنوسية في ليبيا وقد انتشرت رواياها في كل من السودان ومصر وبلاد العرب فضلاً عن برقة وطرابلس. ولم تخل مصر نفسها من تأثير الوهابية إذ كان لها حضور ما في فكر محمد عبده فضلاً عن خصومه المتزمتين ... ) (32 م).

3 - المؤرخون:

وكان للدعوة في آثار هؤلاء كذلك أصداء دلت على اهتمامهم بتبع أخبارها والتعرف على مبادئها كما دلت، في الوقت نفسه، على موقفهم منها.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير