جهاد بالعلم والبيان: وكان هذا جهاد النبي صلى الله عليه وسلم في المرحلة المكية.
وجهاد بالسيف والسنان: وهذا جهاد النبي صلى الله عليه وسلم في المرحلة المدنية مع الجهاد السابق.
قال ابن نجيم -رحمه اللَّه-: " ... فعلى هذا إذا وقف على طلبة علم بلدة كذا يجوز ... ". (4)
قال ابن عابدين -رحمه اللَّه-: "مطلب في حكم الوقف على طلبة العلم ... قوله: وإن على طلبة العلم: ظاهره: صحة الوقف عليهم ... ". (5)
وقال الخرشي -رحمه اللَّه-: "ويتأبد الوقف إذا قال تصدقت على الفقراء والمساكين، أو على المساجد, أو طلبة العلم وما أشبه ذلك ... ". (6)
وقال النووي -رحمه اللَّه-: " وإن وقف على جهة معصية كعمارة الكنائس فباطل، أو جهة قربة كالفقراء، والعلماء, والمساجد، والمدارس صح ". (7)
وفي مغني المحتاج: " والمراد بالعلماء: أصحاب علوم الشرع ". (8)
وفي كشاف القناع: " الشرط الثاني: أن الوقف على بر ... كالفقراء والمساكين والغزاة والعلماء والمتعلمين وكتابة القرآن ... والمساجد والمدارس ... ". (9)
الوقف على دور العلم
ولذلك نرى في العصور الماضية لما علم الأمراء والأثرياء من الناس خطورة إهمال باب النفقة على العلماء وطلبة العلم ودور التعلم كانوا يوقفون أموالا من أجل ذلك من أرض ودور وعقارات وغيرها، تكون وقفا لطلب العلم الشرعي.
فمثلا:
الوقف على الحرمين
فقد كان للحرمين وقف في كل بلاد المسلمين ينفق على علماء وطلبة علم أرض الحرمين وأوقاف الحرمين كانت تأتي من الآستانة ومصر والشام والعراق واليمن وغيرها من البلاد.
ثم يسر الله للحرمين دولة كاملة وهي الدولة السعودية؛ أوقفت ميزانية الدولة لخدمتهما ورعاية شؤنهما فما من غالي أو نفيس إلا وينفق على الحرمين في مختلف الشؤن والتخصصات، وصار علماء الحرمين وطلابهما في خير حال إلا أن هذا ضيق على البعض دون الآخر لاتساع الرقعة وعدم إدراك الراغب.
فإن من أعظم الأسباب المعينة لطالب العلم سهولة الرزق وطلب العيش , وأن يكون حلالا , فإن طالب العلم يحتاج من الدنيا إلى ما يبلغه إلى الآخرة , فكلما كانت الدنيا له معوق كان على حساب الآخرة , فالدنيا مزرعة الآخرة ومدرجة إليها , والناس في أمر الدنيا متفاوتون فمنهم من شغلتهم الدنيا عن الآخرة , ومنهم من شغلته آخرته عن دنياه , ومنهم من شغله معاشه لمعادة وهم أهل الاعتدال , فهو من المقتصدين , ولن ينال رتبة الاقتصاد من لم يلازم في طلب المعيشة منهج السداد , ولن ينتهض من طلب الدنيا وسيلة إلى الآخرة , ما لم يتأدب في طلبها بآداب الشريعة فقد جعل سبحانه التكسب من الدنيا وسيلة , وضبطت بضابط من الشرع , قال تعالى: {وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ} [الأعراف: 10]
وقال تعالى: {وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ} [الإسراء: 12]
وقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالتكسب وطلب معاش الدنيا وحذر من أن يكون العبد عالة على الناس أعطوه أو منعوه.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ فَيَحْتَطِبَ عَلَى ظَهْرِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَأْتِيَ رَجُلًا فَيَسْأَلَهُ أَعْطَاهُ أَوْ مَنَعَهُ. (10)
فلا يعني النفقة على طالب العلم أن يتكفف الناس ويتطلع إليهم ولكن عليه ببذل الأسباب والتصبر ولا بد لتوجيه الأغنياء لهذا الباب أي باب الإنفاق على طلبة العلم وإعانتهم في الطلب.
فمن أعظم النعم وأجل المنن أن يوفق العبد إلى العلم النافع؛ فبه سعادة الدنيا والآخرة، فلو جمع نعيم الدنيا ما عدل نعيم طالب العلم، فقد يكون في أول طريقه مضيق عليه متعسر عليه النفقة -في جهد وبلاء- ولكن إن صبر عوضه الله خيرا في الدنيا والآخرة، فهذا القاضي أبو يوسف صاحب أبي حنيفة يذكر قصته في أول الطلب.
¥