83. قوله (فإن زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر ثم ركب): صلى الظهر وحدها, فهذا الحديث فيه دلالة على جواز جمع التأخير, وليس فيه ما يدل على جمع التقديم.
84. الجمع بين الصلاتين في السفر علته السفر, التلبس بهذا الوصف المؤثر مبيح للجمع, وهو جائز عند جمهور العلماء, وحديث الباب فيه دلالة صريحة على جواز جمع التأخير.
85. أبو حنيفة رحمه الله تعالى ينازع في جواز الجمع ويستدل بأحاديث التوقيت على أنه لا يجوز أن تؤخر الظهر إلى أن يدخل وقت العصر ولا يجوز أن تقدم صلاة العصر فتصلى قبل دخول وقتها في وقت الظهر استدلالاً بعموم أحاديث التوقيت, ويحمل ما جاء في هذا الحديث وما في معناه على الجمع الصوري, والجمع الصوري هو أن يؤخر الصلاة الأولى إلى آخر وقتها ويقدم الصلاة الثانية إلى أول وقتها فيصلي كل صلاةٍ في وقتها, لكن الواقع أنه بتأخير الأولى وتقديم الثانية وإن وقعت كل واحدة منهما في وقتها كأنه جمع لأنه لا فاصل بين الصلاتين إلا الإقامة.
86. لكن الجمع وعموم الرخص إنما شرعت للتيسير على المكلفين ومراعاة لحال السفر وما فيه من مشقة, وأيهما أسهل على المسافر: أن يصلي كل صلاة في وقتها؟ أو يجلس يرقب الأوقات بدقة؟ لأن الفارق يسير جداً, ولم يكن هناك ساعات وأمور تضبط الأوقات, بل كانوا يقيسون ظل الشواخص, فمراقبة أواخر الأوقات وأوائل الأوقات على وقتهم فيه مشقة, فقول الحنفية لا يسلم من حرج وإن كان فيه ملاحظة لأدلة التوقيت, وإذا تصورنا الجمع الصوري في جمع التأخير فإنه لا يمكن تصوره بحال في جمع التقديم.
87. هذه الرواية تدل على جمع التأخير فقط, وأما جمع التقديم فلا تدل عليه, والقول بجواز الجمع بين الصلاتين تقديماً وتأخيراً هو قول الجماهير, والأوزاعي يعمل بهذه الرواية فقط ويقول بجواز جمع التأخير دون جمع التقديم.
88. قوله (وفي رواية الحاكم في الأربعين بإسناد الصحيح: صلى الظهر والعصر ثم ركب): والذي في الصحيحين (فإن زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر ثم ركب) ورواية الحاكم التي في الأربعين بإسناد الصحيح هي في الحديث نفسه, ولو كان الحديث آخر فلا إشكال, بحيث يحمل حديث أنس على حال وعلى ظرف من الظروف وتحمل الرواية الأخرى على ظرف آخر, لكنها في الحديث نفسه, وهي تفيد مشروعية جمع التقديم. وهذه الرواية حكم عليها الحاكم نفسه بأنها لا تصح بل حكم بوضعها لأنها مخالفة لما في الصحيح وإن قال الحافظ إنها بإسناد الصحيح.
89. قوله (ولأبي نعيم في المستخرج على صحيح مسلم: كان إذا كان في سفر فزالت الشمس صلى الظهر والعصر جميعاً ثم ارتحل): رواية أبي نعيم في المستخرج سياقها يدل على أنها في حديث آخر وقصة أخرى, ولذا يقول أهل العلم إن رواية المستخرج لا مقال فيها, وهي تفيد مشروعية جمع التقديم.
90. الاستخراج هو أن يعمد عالم إلى كتاب من الكتب الأصلية فيخرِّج أحاديث هذا الكتاب بأسانيده هو من غير طريق مؤلف الكتاب الأصلي. ويستفاد من المستخرجات مثل هذه الزيادة, ولا يقال إنه إذا كان المستخرِج على صحيح البخاري أو على صحيح مسلم يخرِّج أحاديث الكتاب الأصلي فلسنا بحاجة إلى المستخرج, بل هذه المستخرجات تُخرَّج بأسانيد ولا تُخرَّج مروراً بأصحاب الكتب الأصلية, وعلى هذا تشتمل هذه المستخرجات على زيادات, وهذه الزيادات من فوائدها.
91. في رواية أبي نعيم دلالة على جواز جمع التقديم وهي مستند الجمهور في جواز صلاة الظهرين والعشاءين في وقت الأولى منهما, خلافاً للأوزاعي, وخلافاً لأبي حنيفة الذي يمنع الجمع تقديماً وتأخيراً.
92. في حديث ابن عباس المخرج في صحيح مسلم أن النبي عليه الصلاة والسلام جمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء ثمانياً وسبعاً من غير خوف ولا مطر, وفي رواية من غير خوف ولا سفر, وظاهر قوله (من غير خوف ولا مطر) أنه من غير عذر, لكن ابن عباس لما سئل قال (أراد ألا يحرج أمته) فدل على أن في ترك الجمع في هذا الظرف حرج, والله تعالى يقول (وما جعل عليكم في الدين من حرج).
¥