وكان بين الصفا والمروة مسيل فيه سوق عظيمة يباع فيها الحبوب واللحم والتمر والسمن وغيرها، ولم تكن بمكة سوق منظم سوى هذا السوق الذي كان يقع بالمسعى، مما جعل الساعين يجدون مشقة أثناء السعي لازدحام الناس على حوانيت الباعة، ثم حدثت التجديدات السعودية، فأصبح المسعى يتكون من طابقين بطول (395 متراً)، وعرض (20 متراً)، وفي وسط المسعى وفي الطابق السفلي يوجد حاجز يقسم المسعى إلى طريقين، أحدهما مخصص للسعي من الصفا إلى المروة، والثاني من المروة إلى الصفا، وفي الوسط ممر ضيق ذو اتجاهين، مخصص لسعي العاجزين وغير القادرين على الهرولة، وذلك بواسطة عربات خصصت لهذا الغرض، وللمسعى ستة عشر باباً في الواجهة الشرقية، وللطابق العلوي مدخلان أحدهما عند الصفا، والآخر عند المروة، ويمكن الوصول لهذا الطابق بواسطة سُلّمين من داخل المسجد أحدهما عند باب الصفا، والآخر عند باب السلام (1).
لم أقف في المصادر التاريخية لمكة المكرمة والحرم المكي الشريف لذكر من قام بأول عملية تسوية لأرض المسعى الواقعة بين جبلي الصفا والمروة، وتمهيدها وإزالة الأحجار والعقبات منها، لأن أرض المسعى كانت وادياً بين هذين الجبلين وفيها ارتفاع، وانخفاض، واعوجاج، كما كانت تتعرض كثيراً للسيول والأمطار.
ومعلوم أن توسعة الخليفة المهدي العباسي للحرم المكي الشريف تعد من أعظم التوسعات للحرم، قبل التوسعة السعودية، وقد استنتج بعض المؤرخين أن تكون تلك التوسعة قد شملت جزءاً من أرض المسعى، بعد أن تمت إزالة بعض الدور والدكاكين وقد توالت من بعده أعمال الخلفاء والملوك.
أما فرش المسعى بالبلاط فلم يُعرف لأحد قبل مؤسس الدولة السعودية الملك عبد العزيز آل سعود رحمه الله حيث فرشه بحجارة مربعة، وكان ذلك في عام 1345هـ، فهو أول من بلط المسعى كاملاً، منعاً لإثارة الغبار والأتربة.
وعن أول من سقف المسعى منذ تاريخ بناء المسجد الحرام فهو ملك الحجاز الشريف حسين بن علي بن عون، حيث لم يكن له سقف يقي الساعين شدة الشمس وحرارتها، وكان ذلك في شوال سنة 1341هـ. وامتد هذا السقف من المروة إلى باب العباس فقط، ولم يكمل لقصر المسافة المتبقية.
وفي عهد الملك عبد العزيز آل سعود أمر رحمه الله في عام 1366هـ بإعادة سقف المسعى بطريقة معمارية روعي فيها الإتقان والجودة العالية، وامتد السقف طول المسعى ما عدا آخر ثمانية أمتار من جهة باب علي، حيث كانت بهواً وميداناً متسعاً، وممراً للمشاة والعربات القادمين من الشرق إلى الغرب وبالعكس.
مراحل تجديد وتوسعة المسعى:
تُعد توسعة المسعى بينَ الصَّفا والمروة من الأعمال التي شغلت بال الخلفاء والأمراء منذ القدَم.
ولم يكن بين الصّفا والمروة في قديم العهد بيوت ولا عمائر، اللهم سوى الجبال والصخور ... ولم تمتد يد الإعمار إليهما.
ومنذ أن أسكن إبراهيم عليه الصلاة والسلام هاجر، وابنها إسماعيل عليه السلام بهذا الوادي، وبعد أن ظهرت زمزم، وجاورت جُرهُم بدأت ملامح الحياة تظهر، وأخذت ملامح البناء تنمو.
وبعد أن رفع إبراهيمُ وإسماعيلُ عليهما السلامُ القواعدَ من البيت، جرت إصلاحاتٌ بسيطةُ في مواضع سُكنى الناس.
وفي العصر الجاهلي قسّم قُصي بن كلاب أمور مكة إلى ستة أقسام، وقد أمر قومه أن يبنوا بيوتهم حول الكعبة ومن جهاتها الأربع، وبني هو دار الندوة في الجانب الشمالي.
وعند بروز فجر الإسلام، في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن في المسعى دور كثيرة قد بُنيت في عرضه، وأن بعض الدور التي بُنيت في عرضه إنما بناها الناس فيما بعد.
ثم بدأ بعض كبار الصّحابة في توسعة المسجد الحرام، وأول من أمر بتجديد وتوسعة المسجد الحرام كان الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
وفي عهد التابعين ازداد عدد سكان مكة، والقادمين إليها، فبدأت توسعة المسجد الحرام في ذلكَ العهد.
وفي عهد الخليفة عبد الملك بن مروان (65 – 86هـ) تمت إضاءة مابين الصفا والمروة بالقناديل ليلاً (1).
ومنذ عهد الخليفة الثاني للدولة العباسية أبي جعفر المنصور عبد الله بن محمد بن عليّ بن العباس (136 - 158هـ)، ما زال الخلفاء والسّلاطين يقومون بتوسعة المسجد الحرام، والمسْعَى بين الصّفا والمروة.
¥