وعندما أراد الخليفة محمد بن عبد الله بن محمد بن عليّ العباسيّ ثالث خلفاء بني العباس (158 - 169هـ)، أن يوسع المسجد الحرام، سنة (176هـ)، قام بهدم هذه البيوت، لم يُنكر عليه أحد من الأئمة الذين عاصروه أمثال: الإمام أبي عبد الله مالك ابن أنس أبن مالك الأصبحيّ، إمام دار الهجرة (93 - 179هـ).
والإمام القاضي أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الأنصاريّ (113 - 182هـ)، صاحب أبي حنيفة وتلميذه.
والإمام أبي عبد الله محمد بن الحسن بن فرقد الشّيبانيّ (131 - 189هـ) الذي نشر علم أبي حنيفة.
والإمام نافع بن عمر الحُمَحيّ القرشيّ المكي، محدث مكة وحافظها (ت169هـ)، وغير هؤلاء من الأئمة الذين عاصروا توسعة المسعى، ولم يعترضوا عليه.
كما أن أحداً من الأئمة الذين جاءوا من بعدهم كالإمام أبي عبد الله محمد بن إدريس بن العباس الهاشميّ القرشيّ الشّافعيّ (150 - 204هـ)، والإمام عبد الله أحمد ابن محمد بن حنبل الشيبانيّ البغداديّ (164 - 241هـ).
وقد تقدمَ أن الصفا والمروة لم يكن فيهما بناء ولا درَجٌ، وكانت الصفا والمروةَ يُسنِدُ فيهما من سعي بينهما، ولم يكن فيهما بناء ولا درجٌ، حتى كان عبد الصّمد بن عليّ في خلافة أبي جعفر المنصور، فبني درجهما.
ولقد تعرّض جبلا الصّفا والمروة بمرور الزمن إلى التكسير، بسبب الفيضانات، أو بسبب بناء البيوت، والدكاكين والحوانيت على جانبيهما، فقد روى أبو الوليد الأزرقي (ت250هـ)، في ((أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار)) (1)، قال وهو يتحدّث عن ربع آل داود ابن الحضرمي، واسم الحضرمي عبد الله بن عمار: لهم دارهم التي عند المروة، يقال لها: دار طلحة، بين دار الأزرق بن عمرو الغسّانيّ، ودار عتبة بن فرقد السُّلَميّ.
وقال أيضاً: ومن رباعهم الدار التي عند المروة في صف دار عمر بن عبد العزيز، ووجهها شارع على المروة، الحَجّامون في وجهها، وهي اليوم في الصوافي، اشتراها بعض السلاطين.
ولم يكن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم دَرَجٌ على الصّفا ولا على المروةِ. فقد ذكر الأزرقي (2) قال: حدثني جدي أحمد بن محمد، قال: كانت الصّفا والمروة يُسنِدُ فيهما مَن سعى بينهما، ولم يكن فيهما بناء ولا دَرَجٌ، حتى كان عبد الصمد بن على في خلافة أبي جعفر المنصور، فبني درجهما التي هي اليوم درجهما، فكان أول مَن أحدثَ بنائها، ثمّ كُحّل بعد بالنّورة في زمن مبارك الطبري في خلافة المأمون.
وقد نقل هذا الخبر الإمام محمد بن إسحاق الفاكهيّ (توفي بعد 272هـ)، وكان معاصراً للأزرقيّ، في كتابه ((أخبار مكة في قديم الدّهر وحديثه)) (1).
ولقد وصف أبو الحسين محمد بن أحمد بن جُبير الكنانيّ الأندلسيّ الشاطبيّ البلنسي (ت614هـ)، في كتابه الموسوم بـ ((رحلة ابن جُبير)) فصل (الصفا، وتوسعة المسجد الحرام) (2).
وقد أورد ابن الصلاح، أبو عمرو، عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان (ت 643هـ) فصلاً في كتابه الموسوم بـ ((صلة الناسك في صفة المناسك)) بعنوان: ((في السعي بين الصفا والمروة)) أورد فيه فوائد تتعلق بالمسعى، انقلها مختصرة على النحو التالي: ((وإذا استلم الحجر عند انفصاله من البيت، فليخرج من باب الصفا، فإذا خرج منه فليقطع عرض السوق الملاصقة للمسجد، حتى ينتهي إلى سفح جبل الصفا والدرجات الموضوعة فيه، فَيَصْعد قدر قامة إلى حيث يرى منه البيت وهو يترائى له على الصفا من باب المسجد باب الصفا، لا من فوق جدار المسجد بخلاف المروة ... )) (3)، ثم أردف يقول: ((ثم ينزل فيمشي، حتى إذا كان دون الميل الأخضر المعلق على يساره في ركن المسجد بنحو ستة أذرع سعى سعياً شديداً، حتى يحاذي الميلين الأخضرين اللذين بفناء المسجد، ودار العباس، ثم يمشي حتى يرقى على المروة، حتى يبدوا له البيت، إن بدا له، ثم يصنع عليها ما صنع على الصفا، ثم يعود، وهكذا حتى يكمل سبع مرات، يبدأ بالصفا، ويختم بالمروة.
¥