تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ثالثا: أن شهادة أولئك المشايخ كانت في الوقت الذي رأوا فيه المشهود عليه؛ بخلاف شهادة الشهود الحاليين الذين أدلوا بشهادتهم بعد مرور أكثر من خمسين عاما على مشاهدتهم -بعد أن أزيلت الجبال- فاحتمال الوهم بالنسبة لهم أكبر دون ريب.

بعبارة أخرى: إذا أدلى شهود بما رأوه بأعينهم في الحال، وآخرون أدلوا بشهادتهم بأنهم رأوا شيئا ما قبل أكثر من خمسين عاما، ثم اختلفت الشهادة؛ فأي الشهادتين المقدم؟ لا شك أن الجواب واضح.

رابعا: أن شهادة أولئك المشايخ قد تأيدت بعدم معارضة بقية العلماء في مكة وغيرها، وكذا كبار السن والوجهاء؛ حيث لا يُعلم أن أحدا اعترض عليهم بأنهم انتقصوا من حد هذا المشعر الحرام –ومن أولئك أيضا أصحاب الشهادات الجديدة؛ إذ لم يُسمع لهم صوت أنذاك- وهذه القضية من مهمات القضايا التي لا يسع السكوت فيها بحال، لا سيما من أهل العلم والرأي؛ فهذه قرينة ترجح صواب ما صدر القرار به.

ولا يقال ههنا إن عدم الإنكار سببه عدم الحاجة؛ بمعنى: أنه لا يقال إن عدم إنكارهم راجع إلى أنهم رأوا أن هذا القدر الذي صدر القرار به كافٍ للناس في ذلك الزمان مع كونه غير مستوفٍ للحد الشرعي؛ إذ لم تزل الشكوى من الزحام في المسعى –مع وجود السوق على حافتيه، واختلاط الناس في الذهاب والإياب- مشتهرة من قديم؛ فهذا ابن جبير يقول في رحلته 88: (والساعون لا يكادون يخلصون من كثرة الزحام).

ويقول ابن بطوطة في رحلته 103: (والساعون بين الصفا والمروة لا يكادون يخلصون لازدحام الناس على حوانيت الباعة).

وممن لاحظها وأشار إليها أصحاب الفضيلة أعضاء اللجان المكلفة بدراسة حدود المسعى أنفسهم. انظر: ما جاء في قرار اللجنة في فتاوى الشيخ ابن إبراهيم 5/ 143، 148.

خامسا: من أقوى القرائن التي ترجح شهادة أولئك المشايخ: موافقة تحديدهم لكلام العلماء السابقين؛ فالفقهاء والمؤرخون يذكرون عن الصفا والمروة أنهما جبيلان، أو جبلان صغيران، أو حجران، ويصفانهما بالانخفاض؛ وهذا لا يتفق مع شهادة الشهود الحاليين. وبيان هذا أكثر في الجواب الثاني.

سادسا: مما يرجح جانب شهادة أولئك المشايخ أن الذي شهدوا به هو الذي وقع عليه التواتر العملي من المسلمين من قديم الزمان؛ وقد تقدم كلام الرملي وهو قوله في نهاية المحتاج 3/ 291: (ويشترط [أي في السعي] قطع المسافة بين الصفا والمروة كل مرة، ولا بد أن يكون قطع ما بينهما من بطن الوادي، وهو المسعى المعروف الآن). ثم نقل إجماع العلماء وغيرهم من وقت الأزرقي (قيل إنه توفي في 223هـ، وقيل 250هـ، وقيل غير ذلك) إلى زمانه (توفي في 1004هـ) على أن السعي إنما هو في المسعى المعروف عندهم.

ومثله أيضا قول ملا علي القاري في مرقاة المفاتيح 5/ 475: (والمسعى هو المكان المعروف اليوم؛ لإجماع السلف والخلف عليه كابرا عن كابر).

وقول أبي المعالي الجويني في نهاية المطلب 4/ 304: (ومكان السعي معروف لا يُتعدى).

وقول الفاسي في كتابه شفاء الغرام 1/ 521: (وما حُفظ عن أحد منهم [أي أهل العلم] إنكارٌ لذلك [أي السعي في محل السعي المعروف] ولا أنه سعى في غير المسعى اليوم).

وهذا التواتر العملي على السعي في هذه البقعة المنحصرة فقط من أقوى الدلائل في هذا الموضوع.

فهل يمكن عند أهل العلم أن يعارَض الأمر المستفيض –بل المتواتر- الذي جرى عليه عمل المسلمين منذ قرون متطاولة بشهادة أفراد معدودين، فضلا عن أن تقدم عليه؟!

ولا إخال المفتين بالجواز ولا أصحاب تلك الشهادات الجديدة يقولون إن الناس قديما كانوا يسعون في مساحة أرحب من هذه؛ ومن قال هذا فعليه الدليل.

ثم إن الصور الملتقطة للمسعى قبل أكثر من خمسين سنة كافية في رد هذا الزعم؛ فهي واضحة كالشمس في أن المسعى قديما لم يكن أوسع من المسعى الحالي.

سابعا: لقد نظرت في شهادة الشهود السبعة الذين هم أول من شهد في هذا الموضوع –وشهادتهم قد أوردها بعض من كتب في هذا الموضوع في رسالة مطبوعة، على أن تسمية ما أدلى به المشار إليهم "شهادة" محل وقفة؛ إذ هي إفادة أقرب من كونها شهادة؛ فليس فيها إثبات الشهادة ولا تزكية الشهود؛ وانظر ما ذكره شيخنا الشيخ عبد المحسن العباد في بيانه المنشور في الشبكة العالمية-.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير