.. وأما إلزام السلطان في مسائل النزاع بالتزام قول بلا حجة من الكتاب والسنة فهذا لا يجوز باتفاق المسلمين، ولا يفيد حكم حاكم بصحة قول دون قول في مثل ذلك إلا إذا كان معه حجة يجب الرجوع إليها؛ فيكون كلامه قبل الولاية وبعدها سواء، وهذا بمنزلة الكتب التي يصنفها فى العلم). مجموع الفتاوى 3/ 238 - 240.
الاستدلال الثامن: الاستدلال بأن النبي عليه الصلاة والسلام لم يكن ينبه الصحابة الذين حجوا معه على عدم الخروج عن حدود هذا المسعى المعروف.
وهذا الاستدلال قد ذكره بعضهم؛ وتقريره: أن الذين حجوا مع النبي عليه الصلاة والسلام مائة ألف أو يزيدون، والوادي فسيح، ولم يكن النبي عليه الصلاة والسلام يحذر الصحابة من الخروج عن حدود هذا المسعى المعلوم مع أن هذا وارد مع كثرة العدد وعدم وجود حدود تمنعهم من الذهاب شرقا وغربا؛ وعليه فلا حرج من التوسعة الشرقية للمسعى.
وهذا الكلام لا شك في بطلانه، وصاحبه قد تكلم في المسألة دون أن يتصور الواقع الذي يتحدث عنه.
فالمسعى لم يكن واديا فسيحا لا يحده شيء شرقا وغربا بحيث يمكن حصول ما ذكروا؛ بل قد كانت البيوت محدقة به على حافتيه؛ وعليه فلا يمكن لأحد منهم أن يسعى إلا في هذا المكان المعلوم.
ودونك نبذة عن حال المسعى وما أحاط به من خلال كتب التاريخ والحديث:
يقول ابن عمر رضي الله عنهما: (السعي من دار ابن عباد إلى زقاق بني حسين) علقه البخاري في صحيحه 3/ 501 مع الفتح.
ويقول الأزرقي 2/ 117: (قال ابن جريج: أخبرني نافع قال: فينزل ابن عمر من الصفا فيمشي حتى إذا جاء باب دار بني عباد سعى حتى ينتهي إلى الزقاق الذي يسلك إلى المسجد، الذي بين دار ابن أبي حسين ودار ابنة قرظة).
ومن ذلك أيضا أنه كانت البيوت قائمة بين المسجد والمسعى ولم يدخل منها شيء في المسجد حتى وسع المهدي المسجد؛ يقول الأزرقي 2/ 75: (فاشترى [أي المهدي] جميع ما كان بين المسعى والمسجد من الدور فهدمها ووضع المسجد على ما هو اليوم شارعا على المسعى).
ويقول أيضا 2/ 79: (وكانت الدور وبيوت الناس من ورائه [أي المسجد] في موضع الوادي اليوم، إنما كان موضعه دور الناس، وإنما كان يسلك من المسجد إلى الصفا في بطن الوادي، ثم يسلك في زقاق ضيق حتى يخرج إلى الصفا من التفاف البيوت، فيما بين الوادي والصفا).
ويقول أيضا 2/ 90: (كانت دور بني عدي ما بين الصفا والمسجد وموضع الجنبزة التي يسقى فيها الماء عند البركة هلم جرا إلى المسجد).
ويقول أيضا 2/ 261: (وكانت مساكن بني عدي ما بين الصفا إلى الكعبة).
ويقول أيضا 2/ 233: (وللعباس بن عبد المطلب أيضا الدار التي بين الصفا والمروة التي بيد ولد موسى بن عيسى التي إلى جنب الدار التي بيد جعفر بن سليمان، ودار العباس هي الدار المنقوشة التي عندها العلم الذي يسعى منه من جاء من المروة إلى الصفا بأصلها، ويزعمون أنها كانت لهاشم بن عبد مناف).
ويقول أيضا 2/ 235: (لآل عتبة بن فرقد السلمي دارهم وربعهم التي عند المروة).
ويقول أيضا 2/ 247: (ولآل الأزرق بن عمرو أيضا دارهم التي عند المروة إلى جنب دار طلحة بن داود الحضرمي، يقال لها دار الأزرق، وهي في أيديهم إلى اليوم، وهي لهم ربع جاهلي).
ويقول أيضا: (ربع آل داود بن الحضرمي واسم الحضرمي عبد الله بن عمار حليف عتبة بن ربيعة قال أبو الوليد: لهم دارهم التي عند المروة، يقال لها دار طلحة، بين دار الأزرق بن عمرو الغساني ودار عتبة بن فرقد السلمي، ولهم أيضا الدار التي إلى جنب هذه الدار عند باب دار الأزرق أيضا، يقال لها دار حفصة، ويقال لها دار الزوراء، ومن رباعهم أيضا الدار التي عند المروة في صف دار عمر بن عبد العزيز، ووجهها شارع على المروة).
ويقول أيضا 2/ 250: (رباع بني نوفل بن عبد مناف قال أبو الوليد: كانت لهم دار جبير بن مطعم عند موضع دار القوارير اللاصقة بالمسجد الحرام بين الصفا والمروة، اشتريت منهم في خلافة المهدي أمير المؤمنين حين وسع المسجد الحرام ... ولهم دار عدي بن الخيار، كانت عند العلم الذي على باب المسجد الذي يسعى منه من أقبل من المروة إلى الصفا).
ويقول أيضا 2/ 255: (ربع آل قارظ القاريين وهي الدار التي يقال لها دار الخلد على الصيادلة، بين الصفا والمروة).
¥