تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ويقول أيضا 2/ 254: (وكانت لهم دار مخرمة بن نوفل التي بين الصفا والمروة التي صارت لعيسى بن علي عند المروة).

هذه طائفة يسيرة من الشواهد على ما كان يحيط بالمسعى من بيوت، ولو أردت الزيادة لزدت، وهي دليل على أن هذه الحجة هشة ضعيفة.

الاستدلال التاسع: الاستدلال بأن المسعى قد تعرض للتغيير سابقا.

مما رأيت بعض المفتين بجواز التوسعة قد اعتمد عليه في فتواه: القول بأن المسعى قد طالته يد التغيير والتوسع في السابق دون نكير من أهل العلم؛ فدل على جواز هذه التوسعة؛ ولا تكون بذا بدعا من التصرف.

وإذا أثار المستدلون هذا الجانب من الاستدلال فإنهم إنما يشيرون في الغالب إلى ما حصل في عهد الخليفة المهدي العباسي رحمه الله أثناء توسعة المسجد الحرام؛ إذ من المعلوم أن المهدي قد قام بتوسعة المسجد الحرام مرتين: الأولى: عام 164هـ، والأخرى عام 167هـ، والتوسعة الثانية هي التي حصلت فيها تغيير في محل المسعى على ما يذكر هؤلاء المستدلون.

والمعتمد في هذا على أقوال ذكرها الأزرقي في أخبار مكة فيها ما يشير إلى حصول هذا التغيير؛ من ذلك: قوله 2/ 62 عن جده –أو من فوقه من شيوخه؛ فالعبارة محتملة-: (والمهدي وضع المسجد على المسعى)، وقوله 2/ 80: (فهدموا أكثر دار ابن عباد بن جعفر العايذي وجعلوا المسعى والوادي فيهما) وعند الفاكهي 2/ 173 –وقد نقل عبارة الأزرقي-: (فيها).

وسوف أتوسع بعض الشيء في الجواب عن هذا الاستدلال لشهرته لدى بعض طلبة العلم الذين يُسمع احتجاجهم به دون أن يكونوا قد أنعموا النظر فيه؛ وهذا مما يعطي انطباعا عن المنهج العلمي الذي سار عليه بعض من تكلم في هذا الموضوع تقريرا واستدلالا.

فأقول وبالله التوفيق: الجواب عن هذا الاستدلال أن يقال:

لم يحصل في توسعة المهدي ولا قبلها ولا بعدها أن توسع المسعى جملةً شرقاً أو غرباً، ويخطئ من يظن ذلك استنادا إلى قصة التوسعة هذه، ويخطئ أيضا من يجعلها أصلا يقيس عليه التوسعة الحالية، وتوضيح ذلك:

أن المهدي في توسعته الأولى اشترى جميع ما كان بين المسعى والمسجد من الدور فهدمها ووسع المسجد، وانتهت التوسعة شرقا إلى حد المسعى، يقول الأزرقي 2/ 75: (فاشترى جميع ما كان بين المسعى والمسجد من الدور فهدمها ووضع المسجد على ما هو اليوم شارعا على المسعى).

إذن التوسعة لم ينل المسعى منها شيء، واستمر المسعى محفوظا من ذلك إلى عهد الأزرقي وإلى ما بعده؛ وهذا معنى العبارة السابقة: (والمهدي وضع المسجد على المسعى) أي أزال البيوت التي كانت بين المسجد والمسعى وجعل المسجد على حد المسعى، وليس أنه أدخل المسعى في المسجد وأنشأ مسعى جديدا وراء ذلك؛ فهذا خطأ، وهذا ما وضحه الأزرقي نفسه حيث قال: (ووضع المسجد على ما هو اليوم شارعا على المسعى).

ويؤكد ذلك ما جاء عند الفاكهي في أخبار مكة 2/ 87: (وأمير المؤمنين المهدي وضع أبواب المسجد على المسعى).

وقد تقدم النقل عن أهل العلم بأن من سعى من داخل المسجد فسعيه باطل، وهذا يدل على أنه ليس من المسعى في المسجد شيء.

هذا عن العبارة الأولى، أما العبارة الأخرى وما أشبهها مما أورده الأزرقي في كتابه؛ فقبل أن أجيب على ما يتعلق بها أشير إلى شيء ينبغي ألا يُهمل أثناء النظر في هذا الموضوع؛ ألا وهو أن الإشارة إلى حصول شيء من التغيير في المسعى لم ينقلها أحد –وأقول هذا بعد بحث طويل- سوى الأزرقي، وكل من جاء بعده وأشار إلى هذا الموضوع -كالفاكهي وابن فهد وابن ظهيرة وابن الضياء والفاسي والصباغ وغيرهم- فهو ناقل عنه، وأما جل مشاهير المؤرخين فلم ينقلوا شيئا يتعلق بهذا الأمر الجلل مطلقا، مع إشارتهم إلى توسعة المهدي للمسجد.

ومثلهم في السكوت علماء الفقه؛ إذ إن جماهيرهم لم يشيروا إلى شيء يتعلق بذلك، مع أن القضية لها ارتباط شرعي، ومن أشار إلى ذلك –كالرملي مثلا- فهو ناقل عن الأزرقي أيضا.

إذن هذه القضية على جلالة قدرها ليس لها من مستند تاريخي إلا ما دونه الأزرقي نقلا عن جده فقط.

هذه لفتة أحببت أن يرمقها العاقل بعين بصيرته، وإن كنت لن أقف عندها.

أقول مستعينا بالله: الجواب عن الاستدلال بما أورده الأزرقي من وجوه:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير