تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أولا: المنقول في كتاب الأزرقي -ومن جاء بعده ناقلا عنه- لا يتعلق بالمسعى جميعا؛ إنما يشير إلى أنه طرأ شيء ما على موضع السعي –أي الهرولة- فحسب؛ فقول الأزرقي 2/ 80: (فهدموا أكثر دار ابن عباد بن جعفر العايذي وجعلوا المسعى والوادي فيهما) إنما أراد به بطن الوادي الذي هو موضع الهرولة؛ وهذا يُطلق عليه –أيضا-: المسعى، وهذا الإطلاق أمرٌ معلوم؛ فعند الترمذي عن كثير بن جمهان قال: (رأيت ابن عمر يمشي في المسعى) وفي تحفة الأحوذي 3/ 601: (أي مكان السعي وهو بطن الوادي).

ومنه أيضا قول الأزرقي 2/ 119: (وذرع ما بين العلم الذي في حد المنارة إلى العلم الأخضر الذي على باب المسجد - وهو المسعى - مائة ذراع واثنا عشر ذراعا).

والخلاصة أن المسعى يطلق ويراد به جميع ما بين الصفا والمروة، ويطلق ويراد به بطن الوادي لأنه محل للسعي –أي الهرولة- ومن هذا الباب قول الأزرقي السابق؛ فالتغيير الذي أشار إليه إنما يتعلق بهذا الجزء فحسب دون سائر المسعى؛ وهذا لا شك فيه؛ إذ كيف يُجعل المسعى كله في موضع دار؟

وقد أفصح الفاسي بتوضيح موضع التغيير الذي أشار إليه الأزرقي؛ حيث قال: (وذكر الأزرقي ما يقتضي أن موضع السعي فيما بين الميل الذي بالمنارة والميل المقابل له لم يكن مسعى إلا في خلافة المهدي العباسي بتغيير موضع السعي قبله في هذه الجهة) ثم نقل كلام الأزرقي الذي نقلت بعضه فيما مضى، انظر: شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام 1/ 520

ثانيا: إذا اتضح أن محل التغيير إنما يتعلق بجزء من المسعى –وهو محل الهرولة- فينبغي أن يُعلم أن هذا التغيير –إن صح حصوله- فهو مخصوص بجزء يسير من هذا الموضع المخصوص؛ وذلك أن دار ابن عباد كانت عند مبتدأ الوادي –محل الهرولة- وفي محلها وُضع علم السعي المعلق على منارة المسجد –منارة باب علي- الذي يذكره الفقهاء في كتبهم؛ وهو مبتدأ الهرولة للقادم من الصفا إلى المروة، وفي هذا يقول ابن عمر رضي الله عنهما: (السعي من دار ابن عباد إلى زقاق بني حسين) علقه البخاري في صحيحه 3/ 501 مع الفتح.

وقد تكلم المؤرخون عن موضع دار ابن عباد وأنها كانت عند حد ركن المسجد الحرام؛ يقول الأزرقي 2/ 79: (وكان باب دار محمد بن عباد بن جعفر عند حد ركن المسجد الحرام اليوم، عند موضع المنارة الشارعة في بحر [وفي نسخة: في نحو] الوادي، فيها علم المسعى، وكان الوادي يمر دونها في موضع المسجد الحرام اليوم). وانظر أخبار مكة للفاكهي 2/ 208.

والمقصود أن هذه الدار في طرف من الوادي من الجنوب ولم تستوعبه كله؛ فهو إذن تغيير يسير، لا كما يتصوره بعضهم أنه تغيير كبير، ويتأيد هذا بقول الفاسي شفاء الغرام 1/ 520: (والظاهر –والله أعلم- إجراء المسعى [كذا، ولعل الصواب: السعي] بموضع السعي اليوم وإن تغير بعضه عن موضع السعي قبله).

ويؤيد أن التغيير يسير ليس بذي بال أن الأزرقي –نفسه- لما تكلم عن رباع مكة ودور أهلها وبلغ بحديثه إلى دار عباد بن جعفر أشار إلى جعل الوادي فيها ولم يشر إلى شيء يتعلق بالمسعى؛ حيث يقول 2/ 259 - 260: (فلما أن وسع المهدي المسجد الحرام في سنة سبع وستين ومائة وأدخل الوادي في المسجد الحرام، أُدخلت دار عباد بن جعفر هذه في الوادي؛ اشتريت منهم وصُيرت بطن الوادي اليوم، إلا ما لصق منها بالجبل -جبل أبي قبيس-).

ثالثا: مما يعكر صفو ما قرره الفاسي متابعا فيه الأزرقي أن من أهل العلم من قرر أن موضع السعي –الهرولة- هو كما كان عليه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يطرأ عليه تغيير، وفي هذا يقول ابن القيم في زاد المعاد 2/ 228: (والظاهر أن الوادي لم يتغير عن وضعه). وبمثله قال ابن جاسر في منسكه (270).

ويؤيده أن وضع الأعلام –الأميال- التي في محل الوادي ليس إلا لضبط محل سعيه عليه الصلاة والسلام، وعليه فالظاهر أنه لم يطرأ تغيير على هذا الموضع وإلا لم يكن لوضعها فائدة.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في شرح العمدة – المناسك 2/ 464: (وقد حدد الناس بطن الوادي الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يسعى فيه بأن نصبوا في أوله وآخره أعلاما، وتسمى أميالا، ويسمى واحدها: الميل الأخضر؛ لأنهم ربما لطخوه بلون خضرة ليتميز لونه للساعي، وربما لطخوه بحمرة).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير