تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

يقول الفاسي في شفاء الغرام 1/ 520 - 521: (والظاهر –والله أعلم- إجراء المسعى [كذا، ولعل الصواب: السعي] بموضع السعي اليوم وإن تغير بعضه عن موضع السعي قبله لتوالي الناس من العلماء وغيرهم على السعي بموضع السعي اليوم، ولا خفاء في تواليهم على ذلك ... وما حُفظ عن أحد منهم إنكار لذلك ولا أنه سعى في غير المسعى اليوم ... فيكون أجرى [كذا] السعي بمحل السعي مجمعا عليه عند من وقع التغيير في زمنهم وعند من بعدهم، والله أعلم).

ويقول الرملي في نهاية المحتاج 3/ 291: (ويشترط [أي في السعي] قطع المسافة بين الصفا والمروة كل مرة، ولا بد أن يكون قطع ما بينهما من بطن الوادي، وهو المسعى المعروف الآن؛ وإن كان في كلام الأزرقي ما يوهم خلافه؛ فقد أجمع العلماء وغيرهم من زمن الأزرقي إلى الآن على ذلك).

ويقول ملا علي القاري في مرقاة المفاتيح 5/ 475: (والمسعى هو المكان المعروف اليوم؛ لإجماع السلف والخلف عليه كابرا عن كابر ولا ينافيه كلام الأذرعي أن أكثره في المسجد كما توهم ابن حجر رحمه الله فتدبر).

وكلام الأذرعي هذا قد حرصت على الظفر به فلم أفلح؛ ومهما يكن فليس صحيحا أن أكثر المسعى في المسجد؛ فهذا قول شاذ مخالف للإجماع، وكلام ملا علي القاري يُلمح إلى أن هذا الإجماع العملي مقدم على ما يقال بخلافه.

ويقول الباجي في المنتقى شرح الموطأ 2/ 305: (والسعي بين العلمين هو الذي يقتضيه الحديث المذكور، وقد أَعلَمت الخلفُ ذينك الموضعين حتى صار إجماعا).

ويقول مؤرخ مكة الخبير بها محمد طاهر الكردي في كتابه التاريخ القويم 5/ 363: (موضع السعي هو هو؛ لم يتغير ولم يتبدل ولم ينقص ولم يزد).

والمستخلص من هذه النقولات أن موضع السعي المعروف توقيفي مجمع عليه؛ وعليه فلا يجوز أن يُخرج عنه بحال.

وأضيف إلى ما سبق جوابين آخرين يؤكدان بطلان القول بأن المسعى قد توسع شرقا كما يردد هذا بعضهم:

1 - كان يقابل باب المسجد المسمى باب العباس والميل المعلق عليه الذي منه مبتدأ الهرولة للقادم من المروة إلى الصفا – أقول: كان يقابل هذا الباب: دار تسمى: دار العباس، وقد أطبقت كتب تاريخ مكة على تحديد محلها، وأنها كما هي قبل توسعة المهدي وبعدها، بل وإلى الأزمنة المتأخرة حينما صارت خرابا في عهد شيخ الإسلام ابن تيمية –انظر: شرح العمدة 2/ 465 - ورباطا فيما بعده –انظر: مغني المحتاج 1/ 495، وشفاء الغرام 1/ 440، وتحصيل المرام 1/ 346 - أقول: هذه الدار معروفة ومكانها محفوظ إلى وقت التوسعة السعودية الأولى؛ فلو كان ثمة توسعة للمسعى من جهة الشرق لدخلت هذه الدار في التوسعة قطعا ولزال وجودها؛ إذ لم يكن بينها وبين جدار المسجد سوى خمسة وثلاثون ذراعا فقط، أي ستة عشر مترا تقريبا! وهذا لم يكن.

2 - يلاحظ أن من يرسل الكلام بأن المسعى قد توسع في مراحل مختلفة من التاريخ لا يستطيع أن يجيب على هذا السؤال: إلى أي حد بلغ هذا الامتداد خلال هذه المراحل؟ ليس في كلام المؤرخين في هذا كلمة واحدة! مع أنهم اعتنوا بأمور هي أقل من هذا بكثير؛ حتى إنهم قالوا: إن بين جدار باب بني شيبة بالمسجد الحرام إلى جدار المشعر الحرام بمزدلفة: خمسة وعشرين ألف ذراع وسبعمائة وثمانية أذرع وأربعة أسباع الذراع! انظر: شفاء الغرام 1/ 507

أفتراهم يعتنون بذكر هذا التحديد ذي المسافة البعيدة مع أنه لا يترتب على ذكره فائدة، ويهملون تحديد مسافة المسعى بعد تأخير موضعه –كما يُزعم- مع تعلق عبادة السعي به؟!

أختم هذه المسألة بذكر شاهد على عناية العلماء ببقاء المسعى محفوظا عن الزيادة والنقصان، وعلى شدة إنكارهم على من حاول العبث بحدوده التوقيفية، وقد ورد ذكره سابقا.

ذلكم ما أورده القطب الحنفي في كتابه الإعلام 104 - 106 (نقلا عن تحصيل المرام للصباغ 1/ 346 - 348) في قصة تعدي أحد التجار –واسمه: ابن الزمن- على المسعى حين اغتصب من جانبه ثلاثة أذرع ليجعلها ضمن أرض يبني عليها رباطا للفقراء؛ فمنعه قاضي مكة ابن ظهيرة وجمع محضرا من العلماء وفيهم من علماء المذاهب الأربعة وقابلوا هذا التاجر (وأنكر عليه جميع الحاضرين وقالوا له في وجهه: أنت أخذت من المسعى ثلاثة أذرع وأدخلتها، وأحضروا له النقل بعرض المسعى من تاريخ الفاكهي، وذرعوا من جدار المسجد إلى المحل الذي وضع فيه ابن الزمن الأساس فكان عرض المسعى ناقصا ثلاثة أذرع).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير