تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فقد صدرت كثير من الفتاوى الشرعية حول حكم التوسعة الجديدة للمسعى، وحكم السعي في المسعى الجديد، وقد كان كثير من تلك الفتاوى – المؤيدة والمعارضة – يعتمد على تصور وضع المسعى من عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى توسعة الملك سعود – ضيقاً واتساعاً -، وامتداد الجبلين: الصفا والمروة من الجهة الشرقية، بعد التسليم بأن موضع السعي الشرعي هو ما كان بين الجبلين. لذلك فقد رأيت أن من المفيد تكوين تصور عن ذلك، يربط الماضي بالحاضر، ويعتمد على ما كتبه المؤرخون الذين رأوا المشاعر فوصفوا ما شاهدوا وصفاً دقيقاً، بل قاسوا كثيراً من الأطوال والمسافات. وقد ظهر لي أنه لا توجد فجوات تاريخية، تجعلنا نبني تصورنا عن المسعى على احتمالات عقلية، وتقديرات نظرية، فقد بذل المؤرخون في ذلك جهداً عظيماً، وقد سلم لهم فقهاء الشريعة بذلك قديماً وحديثاً، واعتمدوا كلامهم، وبنوا عليه أحكامهم. ومن أقدم المراجع في ذلك " أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار" لأبي الوليد محمد بن عبدالله بن أحمد الأزرقي، ثم " أخبار مكة في قديم الدهر وحديثه " لأبي عبدالله محمد بن إسحاق الفاكهي. ثم تتابع المؤرخون، ينقلون عمن سبقهم، ويضيفون ما شاهدوه بأنفسهم. وسأعتمد في بحثي هذا على كتاب الأزرقي، إلا أن أجد إضافة مهمة عند غيره.

أولاً: الحد الشرقي للمسعى من عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى توسعة المهدي الثانية عام 167هـ

قال البخاري في صحيحه (الفتح 3/ 501):" وقال ابن عمر رضي الله عنهما: السعي من دار بني عباد إلى زقاق بني أبي حسين ". قال ابن حجر (الفتح 3/ 502): " وصله الفاكهي من طريق ابن جريج أخبرني نافع قال: نزل ابن عمر من الصفا، حتى إذا حاذى باب بني عباد سعى، حتى إذا انتهى إلى الزقاق الذي يسلك بين دار بني أبي حسين ودار قرظة ... إلخ ". قال ابن حجر: " وكأن المصنف بدأ بالموقوف عنه في الترجمة لكونه مفسراً لحد السعي، والمراد به شدة المشي، وإن كان جميع ذلك يسمى سعياً ".

وهذا النص مهم جداً في تحديد الحدين الشرقي والغربي للمسعى، فقد كانت عليه معالم ظاهرة وهي:

1 - دار بني عباد، ومنها يبدأ السعي الشديد للقادم من الصفا إلى المروة، وهي في الجزء الشرقي من المسعى.وقد بقيت هذه الدار على حالها إلى توسعة المهدي الثانية عام 167هـ كما سيأتي تفصيل ذلك.

2 - دار بني أبي حسين ودار بنت قرَظَة، وبينهما ينتهي السعي الشديد، وهما في الجهة الغربية من المسعى. وقد هدمتا في توسعة المهدي الأولى عام 160 هـ حيث "اشترى جميع ما كان بين المسعى والمسجد من الدور، فهدمها، ووضع المسجد على ما هو عليه اليوم شارعاً على المسعى" كما نقل ذلك الأزرقي (2/ 71). وقال الأزرقي- وهو يتحدث عن رباع بني نوفل بن عبد مناف- (2/ 243):" وكانت لهم أيضاَ دار دخلت في المسجد الحرام، يقال لها: دار بنت قرَظَة ". وقال (2/ 243): " ولهم دار ابن أبي حسين بن الحارث بن عامر بن نوفل دخلت في المسجد الحرام ".

وقد وصف الأزرقي بيوت مكة المحيطة بالمسجد الحرام من جميع جوانبه، وما حصل لها من تغييرات إلى عهده، وصفاً دقيقا، وكذلك الدور التي تقع شرق المسعى.

ثانياً: الحد الشرقي للمسعى من بعد توسعة المهدي الثانية عام 167هـ إلى توسعة الملك سعود

قال الأزرقي في " أخبار مكة " (2/ 75 - 77): " قال جدي: لما بنى المهدي المسجد الحرام، وزاد الزيادة الأولى، اتسع أعلاه وأسفله وشقه الذي يلي دار الندوة الشامي، وضاق شقه اليماني الذي يلي الوادي والصفا، وكانت الكعبة في شق المسجد، وذلك أن الوادي كان داخلاً لاصقاً بالمسجد في بطن المسجد اليوم. قال: وكانت الدور وبيوت الناس من ورائه في موضع الوادي اليوم، إنما كان موضعه دور الناس، وإنما كان يسلك من المسجد إلى الصفا في بطن الوادي، ثم يسلك في زقاق ضيق حتى يخرج إلى الصفا من التفاف البيوت فيما بين الوادي والصفا، وكان المسعى في موضع المسجد الحرام اليوم، وكان باب دار محمد بن عباد بن جعفر عند حد ركن المسجد الحرام اليوم، عند موضع المنارة الشارعة في نحر الوادي، فيها علم المسعى، وكان الوادي يمر دونها في موضع المسجد الحرام اليوم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير