تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ويقول عبدالوهاب عزام في كتاب "الرحلات" (ص363) –وكان قد ذهب للحج سنة 1937م- معبراً عن مشاهداته للمسعى: "ثم يرجو كل مسلم أن يصلح المسعى بين الصفا والمروة، فيفصل عن السوق والطريق، ويجعل على شاكلة تشعر الساعي أنه في عبادة ينبغي أن تفرغ لها نفسه ويتم لها توجهه، وما أحوج الحرمين في مكة والمدينة إلى أن تزحزح عنهما الأبنية المجاورة ويدور بهما محيط واسع يظلله شجر ... "إلخ.

والذي يقرأ كتب رحلات الحج في الثلاثينات والأربعينات من القرن العشرين الميلادي يجد عجباً يقول غير واحد: كنا نشاهد بعض الملوك يسعون بالسيارة بين الصفا والمروة وقطعاً هذا معناه أن المسعى عرضاً أوسع من المسعى الموجود اليوم.

وقد وجدت في بعض الكتب أن جملاً دفن في المسعى، بل في ترجمة الإمام النسائي قيل أنه دفن بين الصفا والمروة.

الكلام في تغيير المسعى -كما ذكرت- كثير، وقد أحدث في بعض العصور إشكالات فقد ذكر الأزرقي في كتابه "وكان المسعى في بطن المسجد الحرام اليوم" يعني في توسعة المهدي سنة 164هـ، أدخل شيئاً من المسعى في بطن المسجد يعني أخذ من أطرافه من جهة الغرب، لأنّ المسعى كان في تلك الفترة فيه سعة، وفيه دور، والدار التي كانت بمسامة الميل الأخضر الأول الذي يسعى إليه كانت دار العباس عم النبي وآل هاشم وكانت رباعهم من تلك الجهة.

ووجدت في بعض الآثار عند ابن أبي شيبة في "المصنف" (5/ 345 – ط الرشد) أو (8/ 331 – ط القبلة) عن مجاهد: أن المسعى قد انتقص منه، ومعنى انتقص منه أنهم كانوا يسعون ولا يستوعبون جميع المسافة آنذاك؛ أعني: من حيث العرض، فدار العباس كانت في المسعى، ودار الأرقم كانت فيه أيضاً، واشتراها أبو جعفر المنصور، وكانت دار الأرقم هي أول دار يجمع النبي الناس فيها للإسلام سراً في السنوات الثلاث الأول، وكانت قريبة من المسعى، ويقول يحيى بن عمران بن الأرقم –وهو من ذرية الأرقم بن أبي الأرقم- كما في "طبقات ابن سعد": "إني لأعلم اليوم الذي وقعت –أي الدار- في نفس أبي جعفر المنصور، اشتراها وجعلها لأم ولديه الخَيْزُران".

يقول يحيى: "إنه –أي أبا جعفر المنصور- وهذا خبر جاء عرضاً، -والأخبار التي تأتي عرضاً في كتب السيرة والتاريخ لها مصداقية وغالباً لا تقبل التزوير ولا التزييف- يقول يحيى بن عمران: وكانت داره في الصفا –إذ كان الصفا جبلاً وكان فيه دور- يقول: إني لأعلم اليوم الذي وقعت فيه –أي الدار- في نفس أبي جعفر إنه ليسعى بين الصفا والمروة في حجةٍ حجّها ونحن على ظهر الدار في فسطاس فيَمُر تحتنا لو أشاء أن آخذ قلنسوة لو كانت عليه لأخذتها –يعني أن الدار بجانب المسعى- ولو أردت أن أمسك رأسه لفعلت، -وهذا دلالة على أن المسعى كان فيه حارات وشوارع، والمسعى جبل واسع- وإنه لينظر إلينا من حين يهبط بطن الوادي حتى يصعد إلى الصفا .. " إلخ كلامه.

فمن تلك الفترة وقعت الدار في نفس أبي جعفر المنصور فاشتراها.

يقول ابن جرير في تفسير قوله تعالى: (إن الصفا والمروة) [البقرة: 158] إن الصفا حجر أملس، وإن المروة جمع مروة والمروة الحجر الصغير يقول في (الجزء الثاني ص709 – ط هجر) وإنما عنى الله تعالى ذكره (الصفا والمروة) [البقرة: 158] في هذا الموضع الجبلين المسمين الذين في حرمه دون سائر الصفا والمروة، فالأحكام إذاً معلقة بالجبل، والجبل غالباً تكون مساحته واسعة قال ولذلك دخل فيهما الألف واللام ليعلم عباده أنه عني بذلك الجبلين المعروفين بهذين الاسمين دون سائر الأصفاء والمرو، والشاهد أن الشرع علق السعي بالجبلين فمتى وقع السعي بين مسمى الجبلين أجزأ، ومنهم من اشترط أن تكون الطريق في السعي طريقاً معهودة موصولة يكون فيها الحجيج.

والخلاصة أنّ الكلام على المسعى طويل وكثير، وقد قمت بدراسةٍ وحققت فيها رسالة الشيخ المعلمي اليماني –رحمه الله- وعلقت عليها كثيراً، وقد مدّ القلم وأرخيت له العنان، وذكرت ما يمكن أن يرجِّح القول بالجواز متابعاً إياه في ذلك، وأشرت إلى المخالفين، وتبقى المسألة فيها خلاف، والقضاء على البلبلة لا يمكن أن يقع إلا من خلال كلمة تصدر من هيئة معتبرة عند أهل العلم تجتمع فيها الآراء وتقطع فيها جهيزة كل خطيب، لأن هذه المسألة خطيرة ومهمة ولها أثر على ركن من أركان الإسلام وهو الحج، وأسأل الله عز وجل أن يوفق علماء

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير