وممن كان له بيت على الصفا العلامة اللغوي الفيروزأبادي وقد أتم كتابه "القاموس المحيط" في منزله على الصفا وهو من علماء القرن التاسع الهجري، وقد أكد جماعة من المعاصرين العدول من كبار السن ممن شاهدوا الجبلين أعرض من الباقي اليوم، ويؤكد هذا أيضاً ما ذكره غير واحد من العلماء قديماً من كون الصفا طرفا جبل أبي قبيس، وكون المروة طرفاً من جبل قيقعان.
وأما تحديد بعض العلماء كأبي الوليد الأزري عرض المسعى بخمسة وثلاثين ذراعاً ونصف ذراع فالمراد به _ والله أعلم _ تحديد عرض المسعى الذي كان الناس يسعون فيه وقتئذ، وليس المسعى الذي تحاذى حدوده جبلي الصفا والمروة فإنه يبعد أن يكون عرض كل منهما مساوياً للآخر بهذا التحديد الدقيق، وإنما هو تحديد لما بين العلمين العلم الذي كند باب المسجد والعلم الذي دار بين العباس بن عبدالمطلب، ولا يلزم من ذلك أن يكون عرض المسعى الذي تتحقق به المحاذاة والمسامتة للجبلين بهذا المقدار بل هو أوسع من ذلك كما سبق.
ومن الثابت تاريخياً وجود بيوت كثيرة بين المسجد وبين المسعى كما يدل عليه كلام الأزرقي وابن تيميّة وغيرهما فلو حسبناها في الخمسة والثلاثين ذراعاً لما بقي لدينا للمسعى إلاّ القليل!!
وأرى أن المسألة مرتبطة بأمر آخر يجب بيانه في هذا المقام، وهو أننا لو فرضنا جدلاً خروج التوسعة الجديدة عن محاذاة الجبلي الصفا والمروة فهل يمنع ذلك من صحة السعي فيها؟
والجواب هو أن الأصل _كما عرفنا سابقاً_ وجوب إيقاع السعي بين الجبلين بحيث لا يخرج عن السمت والمحاذاة بين الجبلين ولكن لو دعت الحاجة كالزحام الشديد إلى الخروج عن محاذاة الجبلين فإن المسعى الخارج يعتبر في حكم المتصل والواقع بين الجبلين، ويسمى مثله في مصطلحات العلماء بالمتصل حكماً، وله نظائر فقهية متعددة منها:
ما ذهب إليه الحنابلة وغيرهم من صحة الاقتداء بإمام إذا كان المأموم خارج المسجد متى اتصلت الصفوف، وقد ذكر المجد وغيره أن المشترط هو الاتصال العرفي بمعنى ألاّ يكون بينهما بعد كثير لم تجر العادة بمثله، فالبعد اليسير أو الكثير الذي لا يخرج العادة عن الاتصال فهو كالصف المتصل حكماً.
ومنها: ما جاء عن الإمام أحمد في الرجل يصلي خارج المسجد يوم الجمعة وأبوابه مغلقة، فقال: أرجو ألا يكون به بأس.
ومنها: قول أحمد في المنبر يوم الجمعة إذا قطع الصف فإنه لا يضر ويجوز للحاجة، وألحق بذلك بعض الحنابلة كل بناء بني لمصلحة المسجد.
ومنها: قول الرجل لامرأته: أنت طالق _يافاطمة_ إن خرجت من الدار، فإن الشرط هنا معتبر لأنه متصل حكماً، والأصل في لك قوله صلى الله عليه وسلم: "إلاّ الإذخر" بعد فاصل يسير.
ولا شك أن واقع المسعى قبل التوسعة يعاني من الزحام الشديد الذي وقع في الحرج والمشقة، ولا سيما لدى كبار السن والنساء والأطفال، وخاصة في أيام المواسم حيث يجتمع الملايين من الناس في هذه البقعة الضيقة، ومثل هذه المشقة الزائدة معتبرة في الشرع، وهي سبب للتوسعة والرخصة كما قال الفقهاء: "المشقة تجلب التيسير" وكما قال تعالى: (وما جعل عليكم في الدين من حرج).
فالخلاصة هي أن التوسعة الجديدة داخل في محاذاة الصفا والمروة وأن الزيادة لها حكم المزيد فيه، ولو فرضنا جدلاً خروجها عن المحاذاة والبينية فإن ذلك لا يمنع صحة المسعى في حالة المشقة والحاجة لكونها في حكم المتصل، ولأن الحاجة العامة تقتضيها، والله أعلم ..
كتبه الدكتور مصطفى مخدوم
عميد المعهد العالي للأئمة والخطباء
جامعة طيبة بالمدينة المنورة
ـ[ابن وهب]ــــــــ[12 - 09 - 08, 03:20 م]ـ
الأستاذ أبو يوسف التواب - وفقه الله -
كلام الشيخ مصطفى مخدوم - وفقه الله - نقل في المشاركة رقم 187
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showpost.php?p=856821&postcount=187
وجزاكم الله خيرا
ولو نظرتم في كلام المعارضين لوجدتم الجواب عن الأمرين
على أمر الزيادة لها حكم المزيد في أمر المسعى
وعلى قولهم
(ولو فرضنا جدلاً خروجها عن المحاذاة والبينية فإن ذلك لا يمنع صحة المسعى في حالة المشقة والحاجة لكونها في حكم المتصل، ولأن الحاجة العامة تقتضيها،)
والله أعلم
ـ[أبو يوسف التواب]ــــــــ[12 - 09 - 08, 03:33 م]ـ
الشيخ ابن وهب
جزاك الله خير الجزاء، وبارك فيك. وإنما الغرض الأهم من نقل هذه الفتوى هنا بيان ما للقائلين بها من دليل، وأنه قول يجب احترامه وعدم النكيرِ على من اختاره من أهل العلم وتسفيهِ رأيه.
ـ[ابن وهب]ــــــــ[12 - 09 - 08, 03:40 م]ـ
بارك الله فيكم ونفع بكم
المطلوب الآن من العلماء الذين أيدوا قرار التوسعة أن يطالبوا ببقاء المسعى القديم كما كان
ويضاف إليه الجديدفالقديم يكون فيه مسار من الصفا إلى المروة والعكس
وفي الجديد مثل ذلككما كان الحال في موسم حج عام 1428
وهذا مع فيه من مراعاة أقوال المخالفين وهم كثرمهما حاول البعض التقليل من عددهم
وفي أقل الأحوال هم يمثلون نسبة لا يستهان بها
وهنا فوائد أخرى
أولا المسعى بهذا الحجم الكبير لا يحتاج إليه إلا في المواسم فقط خصوصا أن المسعى سيكون عدة طوابق
فمن التبذير والإسراف إنارة المصابيح والتكييف في هذا الجزء الواسع
ويكتفى بالمسعى القديم في غير أيام المواسم
وهذا مشاهد فمثلا في غير أيام المواسم
فمثلا المسعى في الدول الأول خال أو شبه فاضي في غير أيام المواسم
أيضا من ناحية كثافة الحجاج فالتحكم في المسار العريض صعب بينما التحكم في المسار الضيق أسهل
فلو ضاع الطفل أو المرأة أثناء السير فكونها تنظر في مسار ضيق أسهل من أن تراقب مسار عريض وواسع
فمثلا لو كانت في مجموعة تسعى من الصفا إلى المروة وزوجها في المجموعة ثم تقدم قليلا فإنها تستطيع اللحاق به بينما في المسار العريض فإنها لن تتمكن من رؤية زوجها
وأيضا من الناحية الأمنية فمراقبة المسار الضيق أسهل من مراقبة المسار العريض
وتأمل هذه المصالح في بقاء المسعى القديم
والله أعلم
¥