ـ[أبو تميم الكناني]ــــــــ[16 - 10 - 08, 08:48 ص]ـ
المبحث الثالث
سعة الصفا والمروة (الامتداد والحد)
الصفا والمروة المذكوران في كتاب الله جبلان بالقرب من البيت العتيق. وهما كأي جبل من الجبال له ارتفاع في السماء، وسعة في العرض للمقابل له، وله كذلك امتداد محدد، وبما أن الصفا والمروة متقابلان ويرقى إليهما الساعي؛ تعبدا لله فلابد من معرفة امتدادهما من الجهة الأمامية لكل منهما لتعلقهما بالبينية المطلوب توفرها كشرط لصحة السعي؛ بحيث يتحقق مدلول السعي بين الصفا والمروة بمماسة قدم الساعي في الحد المجزئ شرعاً، وهذا في الواقع العملي مفروغ منه بعد بناء المجسم المشاهد في فناء المسعى قبل الشروع في التوسعة الجديدة، فالجدار الأيمن بالنسبة للقادم من الصفا محدد لآخر حد الامتداد، وهذا بعد الزيادة المذكورة وبمراعاة الشكل الهندسي كما تقدم، بيد أن من المسلم به لدى الجميع أن البناء حادث، وأن الجغرافيين قد أفصحوا عن تحديد لسعة وارتفاع وامتداد أطراف أي جبل مهما ترامت أطرافه الشرقية والغربية، وكذلك تحدثوا عن أول درجته من جهته السفلى، ولم يخالف مسلك المؤرخين والفقهاء وأهل اللغة مسلك أولئك الجغرافيين، فالفقهاء فرعوا على أول درجات الصفا والمروة السفلى أحكام وجوب أو استحباب الصعود منها إلى الجبلين أم الأكتفاء بمماسة أول درجة فقط باعتبارها من الجبلين الصفا والمروة وتحقق مدلول الطواف بينهما واستيعاب جميع المسافة، والمؤرخون تناولوا بالتفصيل ما آلت إليه حالة الدرج من الأسفل، وذكروا سعة الصفا والمروة، وما حولها من جبال وشعاب، وغير ذلك .. ونبين كل هذا مفصلا على هذا النحو:
أولا - الأمر بالطواف بين الصفا والمروة:
قال تعالي:" إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ". ومعنى الطواف في لغة العرب الدوران حول الشيء، قال ابن دريد (ت321هـ): وطاف يطوف طوفا إذا دار حول الشيء وأطاف به يطيف إطافة إذا ألم به، وقرئ على أبي حاتم ـ رحمه الله ـ لأبي خراش الهذلي:
ما لِدُبَّيةَ منذ اليوم لم آرَه
وسط الشروب فلم يُلمم ولم يطف
وفي البارع لأبي علي القالي (ت 356هـ): قال الأصمعي: يقال طاف الرجل يطوف طوفا إذا أقبل وأدبر وجال. ومنه الطواف بالبيت، ويقال: أطاف فلان بالقوم إطافة على مثال أفعل افعالة،إذا استدار بالقوم وأتاهم من نواحيهم، وهو مطيف بهم على مثال مفعل بضم الميم وكسر العين .. "
وقال ابن السكيت (ت 244هـ):" .. وقد طاف حول الشيء يطوف طوفا إذا دار حوله .. "
وقال ابن سيده (ت 458هـ): " وطاف بالقوم وعليهم طوفا وطوفانا وأطاف استدار وجاء من نواحيه، وفي التنزيل:" ويطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب كانت قواريرا". وقيل: طاف به، حام حوله ... وطاف بالبيت، واطاف عليه دار حوله. قال أبوخراش:
تُطِيفُ عليه الطير وهو مُلَحَّبُ
خلاف البيوت عند محتمل الصرم "
وقال ابن فارس (ت395هـ):" (طوف): الطاء والواو والفاء أصل واحد صحيح يدل على دوران الشيء، وأن يُحفَّ به يُحمل عليه، يقال طاف به، وبالبيت يطوف وطوافا، واطَّاف به، واستطاف، ثم يقال لما يدور بالأشياء ويغشيها من الماء طوفان .. ".
فالمقصود من قوله تعالى: " أن يَطَّوف بهما " هو أن يبدأ الحاج أو المعتمر من الصفا وينتهي بالمروة ثم يأتي من المروة إلى الصفا وهكذا، فيكون بذلك مثل الطوائف بالبيت بجامع أن كلا منهما دوران شيء على شيء، وقد غلب السعي على الطواف بالصفا والمروة مع أن السعي المشي بشدة في موطن واحد من مكان السعي بين الصفا والمروة، فالحاصل أن الحاج والمعتمر عليه أن يدور بين الصفا والمروة في مكان مخصوص حتى يكون منقادا للأمر الوارد في التنزيل: " أن يطوف بهما " سواء دار في مبتدإ أحدهما الأول المحاذي للبيت أو آخر حد لامتدادهما من الجهة الشرقية، ولا يتصور أن يقال أن يأتي من خلفهما مما يلي الصفا مثلا بسبب مفارقة تناول جبل الصفا لمسمى الأرض التي تليه من الجنوب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد سعى بين الصفا والمروة، وقال: اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي.
ثانيا - الصفا والمروة جبلان ضبط امتدادهما منذ القدم:
¥