واحد منهما لوح قد وضع على رأس السارية كالتاج منقوش فيه برسم مذهب: "إن الصفا والمروة من شعائر الله "الآية، وبعدها أمر بعمارة هذا الميل عبد الله وخليفته أبو محمد المستضيء بأمر الله أمير المؤمنين أعز الله نصره سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة، فجميع خطى الساعي من الصفا إلى المروة أربعمائة خطوة، والخطوة ثلاثة أقدام وما بين الصفا والمروة (مسيل) هو اليوم سوق حافلة بجميع الفواكه وغيرها .. ".
6 - قال ابن بطوطة (ت779هـ) في رحلته الشهيرة باسمه، المسماه تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار:" ذكر الصفا والمروة، ومن باب الصفا الذي هو أحد أبواب المسجد الحرام إلى الصفا ست وسبعون خطوة، وسعة الصفا سبعة عشرة خطوة، وله أربع عشرة درجة علياهن كأنها مصطبة ... وللمروة خمس درجات، وهي ذات قوس ولحد كبير، وسعة المروة سبع عشرة خطوة ... وبين الصفا والمروة دار العباس رضي الله عنه، وهي الآن رباط يسكنها المجاورون ... ".
والملاحظ أن ابن جبير والبلوي وابن بطوطة استعملوا في التحديد قياس الخطوة لا الذراع والقدم كما فعل النووي، ولا يخفى أن البلوي وابن بطوطة قد أخذا عن ابن جبير، ذلك أن الناظر في كلامهم يجد تشابها بيناً في المضمون والأسلوب، إلا أن ذلك لا يدل على اعتماد البلوي وابن بطوطة المطلق على ابن جبير؛ لأن كلا منهما ألف كتابه أثناء رحلته للحج، بمعنى أن كل واحد منهما قد وقف على القياس والتحديد مع إضافة البلوي تحويل حجم الخطوة إلى ما يقابلها من القدم، في قوله:" والخطوة ثلاثة أقدام "، كما أن تحديد المؤرخين لما بين الصفا والمروة بالذراع أو الخطوة، يدل على استقرار ما في أذهانهم من البينية، ويدفع توهم امتداد الصفا والمروة لأكثر من المعهود ولعل هذا هو المغزى من قول الأزرقي:" وذرع ما بين الصفا والمروة سبعمائة ذراع وستة وستون ذراعا ونصف "، وقول الحربي:" وذرع ما بين الصفا والمروة سبع مائة ذراع وتسع أذرع، وثماني أصابع، وذرع المسعى من ذلك مائة ذراع وتسع عشرة ذراعا "، وقول ابن جبير:" فجميع خطا الساعي من الصفا إلى المروة أربع مائة خطوة وثلاث وتسعون خطوة".
الخطوة وما يقابلها في النظام المتري:
قال البلوي: " والخطوة ثلاثة أقدام "، والخطوة هي خطوة الآدمي ذي الخلقة المعتدلة المعتادة في أكثر الآدميين لا القصير ولا الضخم العظيم ذي الجثة والخطوة الواسعة، فيكون مقدار الخطوة التي استعملها ابن جبير والبلوي وابن بطوطة ثلاثة أقدام بوضع قدم في الأمام، والقدم الأخري وراءها، وبينهما مقدار قدم مماثلة لهما، ويصح أن تكون المعادلة على هذا النحو:
القدم = 30 سنتمتر × 3 أقدام = 90 سنتمتر.
فتكون الخطوة بمقدار 90 سنتمتر، والمتر فيه 100 سنتمتر، ويطلق على الخطوة يارد بالنظام التقديري الحديث، وعليه تكون السبع عشرة خطوة مضروبة في 90 سنتمتر ليُتحصل على المقدار المتري فتكون المعادلة على هذا النحو:
90 سنتمتر × 17= 1530 سنتمتر، 9 (1530) = 30 ,15 (خمسة عشر مترا وثلاثين سنتيمتر) أي أن سعة الصفا والمروة بحسب قياس ابن جبير ومن وافقه خمسة عشر مترا ونصف متر تقريبا، وهو لا يختلف عن تحديد النووي في الصفا دون المروة؛ لأن تحديد النووي للمروة أقل من تحديد الآخرين بأحد عشر قدما، أي ثلاث خطوات، وهو ما يساوي مترين ونصف تقريبا، وهذا اختلاف خفيف غير مؤثر في الحكم.
الاحتجاج بذرع ابن جبير والبلوي وابن بطوطة:
لا ريب أن رواية ابن جبير والبلوي وابن بطوطة فيها دقة من حيث جزمهم بمقدار السعة التي حددوها وشاهدوها بأمهات أعينهم، ورواياتهم في الآثار المكانية والمشاهد التاريخية مقدمة عند طائفة من العلماء، وفيما يأتي الدليل على ذلك:
1 - توثيق ابن جبير وكتابه (الرحلة):
قال المنذري المحدث (ت 656هـ) عن ابن جبير وهو ممن عاصره وسمع منه: "كان من أهل العلم والديانة والفضل والصيانة، وكان مقدما في بلاده في ذلك، وانفرد منقطعا إلى الخير وأهله ".
وقال عنه لسان الدين ابن الخطيب (ت 776هـ): " وكان أديبا بارعاً شاعراً مجيداً سنيا فاضلا نزيه الهمة سري النفس كريم الأخلاق أنيق الطريقة في الخط ... ورحلته نسيجة وحدها طارت كل مطار ".
¥