تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقال لسان الدين أيضا: " وصنف الرحلة المشهورة وذكر مناقله فيها وما شاهده من عجايب البلدان وغرائب المشاهد ... وسكن غرناطة ثم مالقه ثم سبتة ثم فاس منقطعا إلى إسماع الحديث والتصوف وتروية ما عنده، وفضله بديع،وورعه يتحقق وأعماله الصالحة تزكو .. "

2 - توثيق البلوي وكتابه تاج المفرق:

أثنى عليه الشاطبي (ت790هـ) بقوله: " هو الشيخ الفقيه القاضي الأعدل ". وذكره أحمد بابا التنبكتي فقال عنه: " من أهل الفضل كثير التواضع والخلق الحسن، جميل المعشر، محب الأدب، تقضى ببلده وغيرها، حج وقيد رحلته في سفره، وصف فيها البلاد ومن لقي بها .. ".

ورحلته مشحونة بالفوائد والفرائد، وفيها من العلوم والآداب ما يتجاوزه الرائد، ورحلته كانت من بلده فيتورية إلى بيت الله الحرام، وقبر رسول الله صلي الله عليه وسلم؛ لأداء النسك والزيارة ... واشتهرت رحلته بالمغرب والمشرق وتداولتها الأيدي، وكانت عمدة في تراجم الكثير من الرجال والأعلام، وله تخريج في حديث الرحمة، وكتاب عن أسانيد ثلاثيات البخاري، أشار له في تاج المفرق.

3 - توثيق ابن بطوطة وكتابه (رحلة ابن بطوطة):

قال لسان الدين ابن الخطيب نقلا عن شيخه أبي البركات: " وجاور بمكة واستقر عند ملك الهند، فحظي لديه وولاه القضاء وأفاده مالا جسيما، وكانت رحلته على رسم الصوفية زيا وسجية، ثم قفل إلى بلاد المغرب، ودخل جزيرة الأندلس، فحكى بها أحوال المشرق وما استفاد من أهله، فكُذب .. ".

ونقل الحافظ ابن حجر (ت 854 هـ) أن البلفيقي رمى ابن بطوطة بالكذب، فبرأه ابن مرزوق، وقال: " إنه بقي إلى سنة سبعين ومات وهو متولي القضاء ببعض البلاد، قال ابن مرزوق: ولا أعلم أحدا جال البلاد كرحلته، وكان مع ذلك جوادا محسنا ".

و رحلة ابن بطوطة وصلتنا من طريق ابن جزي المالكي (ت 741هـ)، فهو الناقل والكاتب لها فيما بعد، وله مقدمة عليها، ويثبت كلامه أحيانا في صلب الرحلة، فمثلا يقول: أخبرني بعض أشياخي الرحالين أن أحد الرمالين بالإسكندرية .. .

وشهد ابن جزي لابن بطوطة برسوخ القدم في أحوال البلدان وأخبارها، ومن ذلك قوله فيه:" الشيخ الفقيه السائح الثقة الصدوق، جوال الأرض، ومخترق الأقاليم بالطول والعرض أبو عبدالله محمد بن عبدالله بن محمد بن إبراهيم اللواتي الطنجي المعروف بابن بطوطة، المعروف في البلاد المشرقية بشمس الدين، وهو الذي طاف الأرض معتبرا، وطوى الأمصار مختبرا، وباحث فرق الأمم .. ".

تحديد عرض المسعى في القرنين الآخيرين:

انقضى عصر الأزرقي والفاكهي والحربي وعصر ابن جبير والنووي والبلوي، وتعاقبت عصور، حتى جاء أهل التاريخ والمعرفة بالآثار المكانية في القرنين المنصرمين بتحديد ينقص نقصانا بينا عن تحديد المؤرخين والعلماء السابقين، فذكر غير واحد من أهل الاختصاص التاريخي في العصر الحديث أن عرض المسعى اثنا عشر مترا، ومن هؤلاء محمد بيرم التونسي (ت1307هـ) في قوله عن المسعى: " وبينهما ـ الصفا والمروة ـ طريق متسع عرضه ما بين عشرة أمتار، واثني عشر مترا".

ومنهم محمد باشا صادق، فقد قال عن وصف شارع المسعى: " في شارع عرضه تارة عشرة أمتار، وتارة اثنا عشر مترا "

ويرجع السبب في اختلاف عرض المسعى في بعض مواضعه بحسب ما ذكره محمد بيرم التونسي ومحمد باشا صادق إلى أن الوادي يضيق أحيانا ويتسع أحيانا، وتظهر الصور الفوتوغرافية التي يقال أن محمد باشا صادق أول الملتقطين لها حالة المسعى ومدى قربه من الكعبة، وكذلك إحاطة البناء والحوانيت به، وكأنه ممر أو زقاق ضيق يخترقها، وما ذاك إلا لدخولها في أجزاء شاسعة منه تصل إلى سبعة أمتار في مواضع أخرى.

وقال إبراهيم رفعت باشا (ت 1353 – 1935م) الذي كان أميرا لمحمل الحج المصري عدة مرات"، والشارع الذي بين الصفا والمروة هو المسعى، وطوله أربعمائة وخمسة أمتار، وعرضه تارة عشرة أمتر، وتارة اثنا عشر مترا".

وقال حسين عبدالله باسلامة المكي: " وعرض أصل الصفا التي عليها الثلاثة عقود اثنا عشر مترا ".

وقال محمد طاهر الكردي المكي (1903م – 1980م): " وعرض أصل الصفا التي عليها الثلاثة عقود اثنا عشر مترا ".

وهكذا تطابقت تحديدات مؤرخي القرنين الأخيرين الرابع والخامس عشر، فوجد فرق بين تحديد المتقدمين وتحديدهم يصل إلى قرابة ستة أمتار، والغالب أن حساب محمد بيرم ومن وافقه قد اعتبر مكان سعي الناس في ذلك الوقت دون الاكتراث بحقيقته و امتداده الأصلي، وذلك لدخول الأبنية والأسواق أو الدكاكين في أجزاء من عرض المسعى من جهته الشرقية؛ لأن محمد بيرم نفسه يقول: " وحول المسجد من أغلب الجهات طرق وباب السلام يفتح في الطريق الواقع بين الصفا والمروة، وهو طريق متسع حوله ديار ذات عدة طبقات، ومنها: دار الشيبي، وأسفل الديار حوانيت عليها مظلات يباع بها المأكولات، وغيرها .. وكل من الصفا والمروة محل في نهاية زاوية من الطريق متسع ذو درج عريضة تنتهي إلى حائط "، " وفي جبل أبي قبيس المطل على المسجد الحرام مسجد صغير، وبعض ديار و زاوية للشيخ السنوسي ".

وقد يكون الاختلاف في حساب حجم المسعى راجعا إلى الاختلاف في المقاييس، كما ذكر حسين باسلامة بقوله: " قد اعتنى بذرع شارع المسعى كثير من العلماء في كتب شتى من مناسك وتاريخ وما أشبه ذلك بالذراع والخطوة في الأزمنة القديمة، وبالمتر في العصر الحاضر، ونتج من ذلك خلاف سببه اختلاف المقاييس ".

وعلى كل حال فالذي يتعين الاعتماد عليه في تحديد عرض المسعى هو كلام المتقدمين كالأزرقي والفاكهي لا كلام هؤلاء المتأخرين الذين عاينوا المسعى في زمن ضاق فيه عرضه بسبب ما اقتطعه منه من يجاوره من أصحاب الدور والدكاكين.

يتبع إن شاء الله

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير