ـ[أبو تميم الكناني]ــــــــ[16 - 10 - 08, 09:00 ص]ـ
المبحث الرابع
الرد على شبه من انتصروا لجواز التوسعة الحالية في عرض المسعى
الرد على شبه من انتصروا لجواز التوسعة الحالية في عرض المسعى
يعتمد هؤلاء على شبه أهمها ثلاث:
- إحداها: أن الشارع لم يرد عنه شيء يحدد عرض المسعى، وأن الأمر في ذلك يرجع لاجتهاد أهل الرأي.
- والثانية أن إبقاء المسعى على حاله يوقع الحجاج والمعتمرين في مشقة الزحام الشديد ويتعين لذلك أن يوسع تسهيلا عليهم ورفقا بهم.
- الثالثة: امتداد عرض كل من جبل الصفا وجبل المروة في الجانب الشرقي منهما إلى أبعد بكثير مما كان يشاهده الناس في الآونة الأخيرة.
أما الشبهة الأولى، فيكفي لبيان زيفها أن تعلم:
أولا: أنه لا خلاف بين علماء أصول الفقه في أن فعل النبي صلى الله عليه وسلم الوارد لبيان إجمال نص من القرءان حكمه حكم ذلك النص القرآني الذي ورد لبيان إجماله، قال الرهوني عند قول ابن الحاجب في مختصره الأصلي: " وما سواهما إن وضح انه بيان بقول أو قرينة مثل (صلوا) و (خذوا عني) الخ، ما نصه: (والثاني من القسم الثاني إن اتضح أن الفعل بيان لمجمل ودل قول على أن ذلك الفعل بيان لذلك المجمل، فلا نزاع في أن حكم ذلك الفعل حكم ذلك المجمل لأنه داخل في الأمر بذلك المجمل إذ المراد من ذلك المجمل هو ما بين النبي صلى الله عليه وسلم فإن قوله: (صلوا كما رأيتموني أصلي) يدل على أن فعله بيان لقوله تعالى: (أقيموا الصلاة) وكذا (خذوا عني مناسككم) يدل على أن أفعاله في الحج بيان لقوله تعالى: (ولله على الناس حج البيت) و الحديث الأول خرجه البخاري و الثاني خرجه مسلم، ولكن بلفظ لتأخذوا مناسككم فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه وخرجه النسائي ولفظه (أيها الناس خذوا عني مناسككم).
وقال الباجي في إحكام الفصول ما نصه: (والكلام هنا في الأفعال وهي تنقسم إلى قسمين أحدهما ما يفعله بيانا لمجمل الكتاب أو السنة فهذا حكمه حكم المبين على الوجوب والندب و الإباحة).
وقال السبكي في جمع الجوامع: (وتُعلم بنص وتسوية بمعلوم الجهة و وقوعه بيانا او امتثالا لدال على وجوب او ندب أو إباحة). وقال المحلي: (فيكون حكمه حكم المبين أو الممتثل).
وقال البناني في حاشيته على شرح المحلي المذكور: (فإن قلت وجوب الطواف معلوم من الأمر به فما فائدة علم وجوبه من وقوعه بيانا لذلك الأمر؟، قلت: فائدته وجوب الصفة التي وقعت ككونه سبعا والابتداء بالحجر وجعل البيت عن يساره، وأيضا يصح الاستناد في الوجوب إلى هذا البيان فيكون دليلا آخر على الوجوب اهـ.
وما قاله البناني هنا في الطواف يجري نحوه في السعي.
ثانيا: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حجة الوداع: (لتأخذوا مناسككم فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه).
ثالثا: أن السعي بين الصفا والمروة في الحج واجب وجوب الأركان عند الجمهور وواجب غير ركن عند الأحناف وبعض الحنابلة كما يتضح لك إن شاء الله في آخر هذه الرسالة، وعلى ذلك يكون حكم سعيه صلى الله عليه وسلم بين الصفا والمروة الذي بين به ما في الآية المتعلقة بالسعي من الإجمال هوحكم تلك الآية التي جاء لبيانها من حيث الصفة، ويترتب على ذلك أن التقيد في عرض المسعى بالقدر الذي بينه النبي صلى الله عليه وسلم بفعله وتقريره أثناء سعيه هو ومن معه من المسلمين بين الصفا والمروة حكمه حكم السعي نفسه من الركنية عند الجمهور والوجوب عند الأحناف والحنابلة في القول المرجوح عندهم وأن ذلك الحكم من الركنية أو الوجوب مأخوذ من أدلة شرعية لا مطعن فيها هي فعله عليه الصلاة والسلام الذي استفيد من قوله الثابت عنه أنه جاء مبينا لإجمال الآية المتعلقة بالسعي مع ما انضاف لذلك الفعل من تقريره لسعي من سعى معه من المسلمين. قال الجويني (ت 478هـ): "ومكان السعي معروف لا يتعدى". فإذا تقرر ذلك لا يصح السعي خارج نطاق طول المسعى الوارد في بعض الروايات أنه من زقاق بني أبي حسين المحاذي لجبل الصفا إلى زقاق دار بني عباد المحاذي لجبل المروة، كما يبطل سعي من سعى في خارج عرض المسعى الذي صرحت بعض الروايات أنه من جهة البيت العتيق إلى دار العباس بن عبد المطلب؛ لأن منسك السعي توقيفي تعبدي لا مجال للاجتهاد في الترخيص في تضييق
¥