تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أرضه أو توسيعها مثلما حدث هذا العام عام تسعة وعشرين وتسعمائة وألف من الهجرة النبوية، وتأسيسا على القاعدة الأصولية: الأصل في العبادات التوقيف، فلا يحق لأحد الاجتهاد في حكم تعبدي صرف، حصل في تحديد محله نقل مستفيض من قبل العلماء المحققين استنادا على ما حرره عمدة هذا الشأن المؤرخ الأزرقي المكي (ت نحو250هـ)، فقد ذكر أن عرض المسعى الذي سعى فيه رسول الله – صلى الله عليه وسلم وأصحابه وتابعوهم بإحسان إلى عصر الأزرقي لا يزيد عن خمسة وثلاثين ذراعا ونصف الذراع (وهو يعادل 18 متر تقريبا)، وهو مقارب جدا لعرض المسعى المشاهد اليوم للعيان قبل ترخيص بعض المفتين المعاصرين اعتبار التوسعة الأخيرة من عرض المسعى؛ مخالفين بذلك فتوى اللجنة التي أجمع عليها سلفهم.

وهذا كما ترى واضح لا لبس فيه ويزيده وضوحا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حجة الوداع في منى: (نحرت ههنا ومنى كلها منحر، وفي عرفات وقفت ههنا وعرفة كلها موقف وفي مزدلفة وقفت ههنا والمزدلفة كلها موقف). وفي صحيح مسلم: (نحرت ههنا ومنى كلها منحر فانحروا في رحالكم، ووقفت ههنا وعرفة كلها موقف، ووقفت ههنا وجَمع كلها موقف).

وعليه فالنبي صلى الله عليه وسلم الذي بلغ في حجة الوداع للناس أحكام الحج بين أن المكان الذي تتعلق به العبادة في كل من عرفة والمزدلفة ومنى أوسع من المكان الذي أدى هو فيه هذه العبادة وسكت عن بيان نحو ذلك في أماكن أخرى من المشاعر منها السعي سكوتا يدل على أنها غير واسعة سعة تزيد بكثير على المكان الذي أدى هو ومن معه من المسلمين فيه العبادة المتعلقة بتلك المشاعر، ولو كانت أماكن العبادة من تلك المشاعر التي سكت عن بيان سعتها واسعة فعلا على نحو وسعها في الأماكن التي بين أنها واسعة وسكت عن بيان سعتها مع أن الحاجة الداعية إلى بيان أن كلا منهما واسع واحده للزم من سكوته هذا وقوع تأخير البيان عن وقت الحاجة وهو غير واقع في شرعنا بإجماع جميع علماء أصول الفقه.

ولزم أيضا أن بيانه عليه الصلاة و السلام لكون تلك المشاعر التي بين سعتها واسعة لا فائدة فيها إذ تساويها في ذلك تلك التي سكت عن بيان أنها واسعة ولا يخفى ما في هذا من المحذور.

وبسبب أن أفعال النبي صلى الله عليه وسلم في سعيه جاءت لبيان ما في قوله تعالى: (إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح أن يطوف بهما) من الإجمال، فهمت عائشة رضي الله عنها أن السعي لابد منه وأنه لا يكون إلا بين الصفا والمروة عندما قالت:

(وقد سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الطواف بينهما فليس لأحد أن يترك الطواف بينهما) وفي رواية أخرى (ما أتم الله حج امرئ ولا عمرته لم يطف بين الصفا والمروة). قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: " قول عائشة سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الطواف بين الصفا و المروة ". أي فرضه بالسنة وليس مرادها نفي فرضيته ويؤيده قولها: (لم يتم الله حج أحدكم ولا عمرته ما لم يطف بينهما).

فأخذت عائشة رضي الله عنها من فعل النبي صلى الله عليه وسلم في السعي لا من لفظ الآية اشتراط أن يكون السعي بين الصفا و المروة مع أن حكم البينية بينهما غير مستفاد من لفظ الآية فقالت: (سن رسول الله صلى الله عليه وسلم السعي والطواف بينهما) ورتبت بالفاء على ذلك قولها: "فليس لأحد أن يترك الطواف بينهما "، وقولها: (ما أتم الله حج امرئ ولا عمرته لم يطف بين الصفا والمروة) فترتيبها لذلك الحكم الذي هو لزوم السعي بينهما على فعله عليه الصلاة والسلام بالفاء وجزمها بأنه لا يتم حج ولا عمرة من لم يسع بينهما دليل واضح على أنها أخذت لزوم السعي واشتراط كونه بين الصفا والمروة - لا في مكان آخر لا تحصل فيه البينية بينهما - من فعله عليه الصلاة والسلام لكونه جاء مبيّنا إجمال آية السعي التي سألها عنها ابن أختها عروة بن الزبير وتابعها على هذا الفهم السليم العلماء، فقد قال ابن رشد المالكي – الجد- (ت520هـ) في المقدّمات: " بين رسول الله صلى الله عليه وسلم كل ما أجمل الله عز وجل في كتابه من أمر الحج فوقت المواقيت لأهل الآفاق، وبين عدد الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة، وما يبدأ به في ذلك كله، وكيف يصنع فيه، ووقت الوقوف بعرفة والمزدلفة، والجمع بين

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير