تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الصلاتين بهما، وصفة رمي الجمار والنحر، وما يجب في ذلك كله، وما لا يجب قولا وعملا في حجه الذي حج بالناس".

وقال النووي الشافعي (ت676هـ) في شرحه على صحيح مسلم اثناء كلامه على قوله عليه الصلاة والسلام: (لتأخذوا مناسككم)، بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كل ذلك، وأمر أمته بإتباع نسكه - صلى الله عليه وسلم - على وجه الإلزام، فقال: (لتأخذوا عني مناسككم). اللام هنا لام الأمر، أي لتأخذوا عني مناسككم، ومعناه: خذوا مناسككم، وهكذا وقع في رواية غير مسلم، وتقديره: هذه الأمور التي أتيت بها في حجتي من الأقوال والأفعال والهيئات هي أمور الحج وصفته، وهي مناسككم فخذوها عني واقبلوها واحفظوها واعملوا بها وعلموها الناس، وهذا الحديث أصل عظيم في مناسك الحج، وهو نحو قوله صلى الله عليه وسلم في الصلاة: صلوا كما رأيتموني أصلي".

وسار على هذا النهج كثير من العلماء يضيق المجال عن نقل كلامهم، وحدد علماء التاريخ والآثار سعة ذلك المسعى الذي سعي فيه النبي صلي الله عليه وسلم هو ومن معه من المسلمين تحديدا دقيقا وبينوه بيانا سد الطريق أمام كل من يريد أن يزيد فيه بلا دليل ونقلوا بهذا التحديد الدقيق إلى من يأتي من بعدهم سعة المسعى الذي سعى فيه النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة وبين النبي صلى الله عليه وسلم بفعله وتقريره أنه هو المسعى الذي يتعين التقيد به وعدم الزيادة فيه حفاظا على صحة العبادة المتعلقة به والتزم المسلمون بهذا التحديد فلم يزيدوا في سعة عرض المسعى خلال ما يزيد على ألف سنة من تاريخهم و إنما حصل فيه في بعض الأحيان من نقصان العرض ما لم يؤثر على صحة السعي لأنه كان يقع في الباقي منه فتحصل من هذا أن تحديد عرض المسعى مأخوذ بالتلقي عن الشارع وأنه غير متروك للاجتهاد.

و أما الشبهة الثانية فهي أيضا زائفة لأن مشقة الازدحام في المشاعر مشقة لا ينفك عنها الحج وقد قرره الشارع عليها ولم يخل أمر الحج في أي عصر من العصور من الازدحام في المشاعر وإن كان حجم ذلك الازدحام يختلف من حين إلى آخر وقد نص العلماء على أن المشقة التي قررت معها العبادة لكونها لا تنفك عنها لا توجب تخفيفا في تلك العبادة قال القرافي (ت 684 هـ) في الفرق الرابع عشر بين قاعدتي المشقة المسقطة للعبادة والمشقة التي لا تسقطها: " وتحرير الفرق بينهما أن المشاق قسمان، أحدهما: قسم لا تنفك عنه العبادة كالوضوء والغسل في البرد والصوم في النهار الطويل والمخاطرة بالنفس في الجهاد ونحو ذلك، فهذا القسم لا يوجب تحفيفا في العبادة لأنه قرر معها ".

وقال العز بن عبدالسلام (ت660هـ): "المشاق ضربان: أحدهما مشقة لا تنفك العبادة عنها كمشقة الوضوء والغسل في شدة السبرات، وكمشقة إقامة الصلاة في الحر و البرد، و لاسيما صلاة الفجر، و كمشقة الصوم في شدة الحر وطول النهار، وكمشقة الحج التي لا انفكاك عنها غالبا، وكمشقة الاجتهاد في طلب العلم والرحلة فيه، وكذلك المشقة في رجم الزناة، وإقامة الحدود على الجناة، و لا سيما في حق الآباء والأمهات والبنين والبنات، فإن في ذلك مشقة عظيمة على مقيم هذه العقوبات بما يجده من الرقة والمرحمة بها للسراق والزناة والجناة من الأجانب والأقارب من البنين والبنات، ولمثل هذا قال تعالى: " و لا تأخذكم بهما رأفة في دين الله وقال عليه الصلاة والسلام: " لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها "، وهو صلى الله عليه وسلم أولى بتحمل المشاق من غيره؛ لأن الله سبحانه وتعالى وصفه في كتابه العزيز بأنه رؤوف رحيم، فهذه المشاق كلها لا أثر لها في إسقاط العبادات والطاعات، و لا في تخفيفها؛ لأنها لو أثرت لفاتت مصالح العبادات والطاعات في جميع الأوقات، أو في غالب الأوقات، ولفات ما رتب عليها من المثوبات الباقيات ما دامت الأرض والسماوات".

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير