وقال السيوطي (ت911هـ): "وهذه فوائد يختم بها الكلام على هذه القاعدة، الأولى: في ضبط المشاق المقتضية للتخفيف، المشاق على قسمين: مشقة لا تنفك عن العبادة غالبا كمشقة البرد في الوضوء والغسل، ومشقة الصوم في شدة الحر وطول النهار، ومشقة السفر التي لا انفكاك للحج والجهاد عنها، ومشقة ألم الحدود ورجم الزناة، وقتل البغاة، فلا أثر لهذه في إسقاط العبادات في كل الأوقات، ومن استثنى من ذلك جواز التيمم للخوف من شدة البرد لم يصب؛ لأن المراد أن يخاف من شدة البرد حصول مرض من الأمراض التي تبيح التيمم، وهذا أمر ينفك عنه الاغتسال في الغالب، أما ألم البرد الذي لا يخاف معه المرض المذكور فلا يبيح التيمم بحال، وهو الذي لا يبيح به الانتقال إلى التيمم .. ".
وقال ابن نجيم (ت970هـ):" المشاق على قسمين: مشقة لا تنفك عنها العبادة، كمشقة البرد في الوضوء والغسل، ومشقة الصوم في شدة الحر وطول النهار، ومشقة السفر التي لا انفكاك للحج والجهاد عنها، ومشقة ألم الحد ورجم الزناة ن وقتل البغاة، فلا أثر في إسقاط العبادات في كل الأوقات .. ".
فبان بهذا أنه لا يمكن شرعًا أن تكون حجة اتقاء مشقة الازدحام في المشاعر مبررا لتغيير معالم هذه المشاعر ولاسيما إذا كان التغيير كبيرًا جدًا ومتعلقا بأحد الأركان، ورحم الله مفتي المملكة العربية السعودية ورئيس مجلس كبار العلماء فيها في زمنه الشيخ محمد بن ابراهيم فقد قال سنة 1377 هـ ردًا على اقتراح محمد طاهر الكردي الذي نادى في ذلك الزمن بما ينادى به اليوم من ينتصر للتوسعة الحالية في عرض المسعى من ضرورة توسيع عرض المسعى تفاديا لمشقة الازدحام فيه وتيسيرًا على الساعين، قال رادا عليه:
(يتعين ترك الصفا والمروة على ما هما عليه أولا، ويسعنا ما وسع من قبلنا في ذلك ولو فتحت أبواب الاقتراحات في المشاعر لأدى ذلك إلى أن تكون في المستقبل مسرحًا للآراء أو ميدانا للاجتهادات أو نافذة يولج منها لتغيير المشاعر وأحكام الحج فيحصل بذلك فساد كبير)
إلى أن قال:
(ولا ينبغي أن يلتفت إلى أماني بعض المستصعبين لبعض أعمال الحج واقتراحاتهم، بل ينبغي أن تعمل حول ذلك البيانات الشرعية المدعومة بالدلائل القطعية المشتملة على مزيد الحث والترغيب في الطاعة و التمسك بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه في المعتقدات والأعمال و تعظيم شعائر الله ومزيد احترامها أ. هـ باختصار.
ومن المؤسف أن ما حذر أهل بلده منه وقعوا فيه في هذه الآونة الأخيرة فالله المستعان.
وأما الشبهة الثالثة، فهي مجرد زعم عار عن الدليل؛ لأن من المعلوم الذي لا يمكن أن يكون فيه نزاع أن اسم كل من الصفا والمروة علم شخص لمكان معين، وأن علم الشخص يعين مسماه ويشخصه في الخارج تشخيصا يمنع من دخول غير ذلك المشخص في الخارج تحت مدلول هذا العلم، و أن الله عز وجل قال: (إن الصفا و المروة من شعائر الله).
ومعنى ذلك أن الحقيقة المعبر عنها بالعلم الشخصي لكل من الصفا والمروة هي التي وصفت في هذه الآية بأنها من شعائر الله، وعليه فلا يمكن أن يدخل في هذا الوصف أي شيء آخر لتعيين مسمى كل من الصفا و المروة بعلمه الشخصي، وقد مر بك أن العلماء الموثوق بروايتهم كابن جبير والبلوي وابن بطوطة حددوا سعة كل من الصفا والمروة تحديدا خلاصته أن عرض كل منهما من جهة المشرق إلى المغرب لا يتجاوز نحو 16مترا فاتضحت بهذا ثلاثة أمور:
أحدها: أن السعي لا يصح شرعا إلا بين الصفا والمروة الموصوفتين في الآية بأنهما من شعائر الله. ويترتب على هذا لزوم أن يبقي الساعي في ذهابه من الصفا إلى المروة وفي عودته من المروة إلى الصفا بين مسمى جبل الصفا الذي لا تتجاوز سعته شرقا وغربا نحو 16 مترا وبين مسمي جبل المروة الذي لا تتجاوز سعته مثل ذلك.
الأمر الثاني: أن طرف جبل أبي قبيس المتصل بالصفا من جهة الشرق لا يشمله اسم الصفا، ولو كان قريبا منها ومتصلا بها؛ لأنه جزء من جبل يسمى بأبي قبيس، وأن طرف جبل قعيقعان المتصل بالمروة من جهة الشرق لا يشمله اسمها ولو كان قريبا منها ومتصلا بها؛ لأنه جزء من جبل يسمى قعيقعان.
¥