تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال ابن عبد البر:أجمع أهل العلم من أهل الفقه والأثر في جميع الأمصار فيما علمت على قبول خبر الواحد العدل , وإيجاب العمل به إذا ثبت ولم ينسخه غيره من أثر أو إجماع على هذا جميع الفقهاء في كل عصر من لدن الصحابة إلى يومنا هذا إلا الخوارج وطوائف من أهل البدع شرذمة لا تعد خلافا , وقد أجمع المسلمون على جواز قبول الواحد السائل المستفتى لما يخبره به العالم الواحد إذا استفتاه فيما لا يعلمه وقبول خبر الواحد العدل فيما يخبر به مثله.

التمهيد (1

2)

وقال شيخنا الألباني رحمه الله:إن القائلين بأن حديث الآحاد لاتثبت به عقيدة يقولون في الوقت نفسه بأن الأحكام الشرعية ثبتت بحديث الآحاد ,وهمبهذا قد فرقوا بين العقائد والأحكام فهل تجد هذا التفريق في النصوص المتقدمة منالكتاب والسنة كلا , وألف كلا؛ بل هي بعمومها وإطلاقاتها تشمل العقائد أيضا وتوجباتباعه صلى الله عليه وسلم فيها لأنها بلا شك مما يشمله قوله (أمرا) في آية {وماكان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم} وهكذاأمره تعالى بإطاعة نبيه صلى الله عليه وسلم والنهي عن عصيانه والتحذير من مخالفتهوثناؤه على المؤمنين الذين يقولون عندما يدعون للتحاكم إلى الله ورسوله: سمعناوأطعنا كل ذاك يدل على وجوب طاعته واتباعه صلى الله عليه وسلم في العقائد والأحكام. وقوله تعالى {وما آتاكم الرسول فخذوه} فإنه (ما) من ألفاظ العموم والشمول كماهو معلوم. وأنت لو سألت هؤلاء القائلين بوجوب الأخذ بحديث الآحاد في الأحكام عنالدليل عليه لاحتجوا بهذه الآيات السابقة وغيرها مما لم نذكره اختصارا ,وقد استوعبهاالإمام الشافعي رحمه الله تعالى في كتابه " الرسالة " فليراجعها من شاء؛ فماالذي حملهم على استثناء العقيدة من وجوب الأخذ بها وهي داخلة في عموم الآيات؟ إنتخصيصها بالأحكام دون العقائد تخصيص بدون مخصص وذلك باطل وما لزم منه باطل فهوباطل.شبهة وجوابهالقد عرضت لهم شبهة ثم صارت لديهم عقيدة ,وهي أن حديث الآحادلا يفيد إلا الظن ويعنون به الظن الراجح طبعا ,والظن الراجح يجب العمل به في الأحكاماتفاقا ولا يجوز الأخذ به عندهم في الأخبار الغيبية والمسائل العلمية وهي المرادبالعقيدة ونحن لو سلمنا لهم جدلا بقولهم: (إن حديث الآحاد لا يفيد إلا الظن) علىإطلاقه فإنا نسألهم: من أين لكم هذا التفريق وما الدليل على أنه لا يجوز الأخذبحديث الآحاد في العقيدة؟ لقد رأينا بعض المعاصرين يستدلون على ذلك بقوله تعالىفي المشركين: {إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس} وبقوله سبحانه: {إن الظنلا يغني من الحق شيئا} ونحو ذلك من الآيات التي يذم الله تعالى فيها المشركين علىاتباعهم الظن. وفات هؤلاء المستدلين أن الظن المذكور في هذه الآيات ليس المراد بهالظن الغالب الذي يفيده خبر الآحاد والواجب الأخذ به اتفاقا وإنما هو الشك الذي هو الخرص فقدجاء في " النهاية " و " اللسان " وغيرها من كتب اللغة: " الظن: الشك يعرض لك فيالشيء فتحققه وتحكم عليه "

فهذا هو الظن الذي نعاه الله تعالى على المشركين وممايؤيد ذلك قوله تعالى فيهم: {إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون} فجعل الظن هوالخرص الذي هو مجرد الحزر والتخمينولو كان الظن المنعي على المشركين في هذهالآيات هو الظن الغالب كما زعم أولئك المستدلون لم يجز الأخذ به في الأحكام أيضاوذلك لسببين اثنين:

الأول: أن الله أنكره عليهم إنكارا مطلقا ولم يخصهبالعقيدة دون الأحكام. والآخر: أنه تعالى صرح في بعض الآيات أن الظن الذي أنكرهعلى المشركين يشمل القول به في الأحكام أيضا فاسمع إلى قوله تعالى الصريح في ذلك {سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا} (فهذه عقيدة) {ولا حرمنامن شيء} (وهذا حكم) {كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل: هل عندكم من علمفتخرجوه لنا؟ إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون} ويفسرها قوله تعالى: {قلإنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوابالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون} فثبت مما تقدم أنالظن الذي لا يجوز الأخذ به إنما هو الظن اللغوي المرادف للخرص والتخمين ,والقول بغير علم , وأنهيحرم الحكم به في الأحكام

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير