وقال ابن أبي العز الحنفي: وقد تواترت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثبوت عذاب القبر ونعيمه لمن كان لذلك أهلا وسؤال الملكين فيجب اعتقاد ثبوت ذلك والإيمان به , ولا تتكلم في كيفيته إذ ليس للعقل وقوف على كيفيته لكونه لا عهد له به في هذا الدار والشرع لا يأتي بما تحيله العقول ولكنه قد يأتي بما تحار فيه العقول؛ فإن عود الروح إلى الجسد ليس على الوجه المعهود في الدنيا بل تعاد الروح إليه إعادة غير الإعادة المألوفة في الدنيا فالروح لها بالبدن خمسة أنواع من التعلق متغايرة الأحكام:
أحدها: تعلقها به في بطن الأم جنينا.
الثاني: تعلقها به بعد خروجه إلى وجه الأرض.
الثالث: تعلقها به في حال النوم؛فلها به تعلق من وجه ومفارقة من وجه.
الرابع: تعلقها به في البرزخ؛ فإنها وإن فارقته وتجردت عنه؛فإنها لم تفارقه فراقا كليا بحيث لا يبقى لها إليه التفات البتة فإنه ورد ردها إليه وقت سلام المسلم وورد أنه يسمع خفق نعالهم حين يولون عنه وهذا الرد إعادة خاصة لا يوجب حياة البدن قبل يوم القيامة.
الخامس: تعلقها به يوم بعث الأجساد وهو أكمل أنواع تعلقها البدن ولا نسبة لما قبله من أنواع التعلق إليه إذ هو تعلق لا يقبل البدن معه موتا ولا نوما ولا فسادا فالنوم أخو الموت فتأمل هذا يزح عنك إشكالات كثيرة.
شرح الطحاوية (396) و مقالات الجهم بن صفوان (2
667) لياسر قاضي بتصرف
ثانيا:أما ما ذكره جواد عفانة من التدليسات في هذا الباب فإليك بعضها:
أ - قال ص (129): لقد بين الله لنا في كتابه الكريم من القواعد والأصول ما لو تدبرناها وفهمناها لما احتجنا في فهم العقيدة إلى غيرها قال تعالى: {وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله ذلكم الله ربي عليه توكلت وإليه إنيب} أي ردوه إلى كتاب الله ولا نص في القرآن على عذاب القبر
قلت: أعرض عن الآية الأخرى التي فيها الرد إلى الله والرسول وهي قوله تعالى: {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول} ومن المعلوم بالاتفاق أن الرد إلى الرسول هو رد إلى سنته الصحيحة.
2 - وقال أيضا: فمن زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم بين أشياء لا وجود لها في القرآن فقد افترى على الله ورسوله وذلك لإنكاره آيات القرآن المحكمة واتهامه رسول الله بخيانة الرسالة ناهيك عما يتضمنه الإيمان بعذاب القبر من اتهام الله تعالى بالظلم والعبث والتفريط في كتابه ..
أقول: وهذه والله جرأة عظيمة ,وقول على الله رسوله بغير علم فلا يمكن أن يفهم كتاب الله بمعزل عن السنة كما قال تعالى: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليه} بل هناك كثير من الأحكام وردت في السنة ولم يأت ذكرها في القرآن من حيث التنصيص
فعن عبد الله بن مسعود قال: لعن الله الواشماتوالمستوشمات والنامصات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله فبلغ ذلكامرأة من بني أسد يقال لها أم يعقوب وكانت تقرأ القرآن فأتته فقالت: ما حديث بلغنيعنك أنك لعنت الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله؟ فقال عبد الله: وما لي لا ألعن من لعن رسول الله؟ وهو في كتاب الله، فقالت: لقد قرأت ما بين لوحي المصحف فما وجدته، فقال: لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه، قالالله عز وجل:) وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا.البخاري ومسلم واللفظ لمسلم.فهذا ابنمسعود رضي الله عنه يقول عن حكمٍ ثبت بالسنة ولم يُنَصَّ عليه في القرآن أنه فيكتاب الله.
قال تعالى: {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة} وقال سبحانه: {كتب عليكم الصيام}
وقال جل من قائل {: ولله على الناس حج البيت من استطاعإليه سبيلاً} فبين النبيصلى الله عليه وسلم أن الصلوات المفروضات خمس في اليوموالليلة وبين شروط الصلاة وأركانها وقال: صلوا كما رأيتموني أصلّي , وكذلك الزكاة شروطها وأنصبتها وكذلك أحكام الصيام الحج.
وكذلك الحكم في قطع يد السارق قال: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} وبينت السنة من أين تقطع اليد ونصاب القطع.
فلا يتصور أن يكتفى بالكتاب دون السنة وكلاهما من عند الله.
¥