(2) سورة الكهف الآية: (62).
ضبح العاديات
ـ[هشام الهاشمي]ــــــــ[24 - 01 - 08, 04:49 ص]ـ
الصبر واليقين
خامساً: الصبر واليقين: لقوله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُواْ وَكَانُواْ بِئَايَاتِنَا يُوقِنُونَ} (1).
قال أهل العلم في تفسيرها: ((بالصبر واليقين؛ تنال الإمامة في الدين)).
والصبر: ((حبس النفس على ما تكره)).
واليقين: ((استقرار الإيمان في القلب)) (2)؛ حتى يطمئن به، فكأنك ترى الأمر رأي عين، شاهده قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِى كَيْفَ تُحْىِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِى. . .} (3).
وقوله: {إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْ يَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَينَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُواْ اللَّهَ إِنْ كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ * قَالُواْ نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا. . .} (4).
وقوله: {وَكَذَلِكَ نُرِى إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَواتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ} (5).
((يقال في اللغة: يقن الماء في الحفرة، أي استقر)) (2).
واجعل نصب عينيك قول القائل:
لا تحسبن المجد تمراً أنت آكله
لن تبلغ المجد حتى تلعق الصَّبِرا
وقل دائماً وردد:
لأستسهلن الصعب أو أدرك المنى
فما انقادت الآمال إلا لصابر
فلن تنال ما تتمن إلا على جسر من التعب.
قال الشاعر:
بصرت بالراحة الكبرى فلم أرها
تنال إلا على جسر من التعب
وكما قد قيل: ((بقدر ما تتعنى تنال ما تتمنى)).
إنه الصعود إلى المعالي فليس بالشيء الهين اليسير، إنه المجد، والرفعة؛ بضاعة غلا ثمنها، وعز طلابها، ولكنها نعم البضاعة.
واعلم؛ حاطك اللَّه أن للعلم لذةً، و ((حلاوة ستغيب عنك مرارة الصبر))، وتنسيك ((رعيك في الدُّجَى روض السُّهَاد))، وأن للنجاح والظفر عرشاً لا يجلس عليه إلا الصُّبْر من الرجال.
فلن يتأتى لك ما تريد إلا بعزم من حديد، فعليك بالجد والمجاهدة، والصبر والمصابرة، ومخادعة النفس لشرف ونفاسة ما تطلب، فقد قطعت دون ذلك أعناق كثير من الرجال؛ وما أدركوا منه شيئاً، فشمر تشمير من لا يألو جهداً، ولا يضيع وقتاً. . فالتعب حاصل ولا بد؛ فكن كبير النفس، عالي الهمة، يقظ القريحة، عميق الفكرة، نافذ البصيرة، حسن التفاؤل.
وإذا كانت النفوس كباراً
تعبت في مرادها الأجسام
ـــــــــــــــــ
(1) سورة السجدة الآية: (24).
(2) الحكيم الترمذي (نوادر الأصول) (1/ 187) تحقيق مصطفى عبد القادر عطا.
(3) سورة البقرة الآية: (260).
(4) سورة المائدة الآية: (112).
(5) سورة الأنعام الآية: (75).
ضبح العاديات
ـ[هشام الهاشمي]ــــــــ[28 - 01 - 08, 04:25 ص]ـ
التفرغ للطلب
التفرغ للطلب، واغتنام أوقات الشباب
سادساً: التفرغ للطلب، واغتنام أوقات الشباب: وذلك قبل أن تطرق بنكدها، ودواهيها أم طبق؛ (!) فتنتهي قبل أن تبدأ، وتنقطع قبل أن تصل.
فالفرار، الفرار من الملاهي والأشغال؛ فإن العلم لا يتأتى لمن تشتت همه، وكثر غمه، وشُغل فكره. . فأرح الخاطر من الخواطر؛ فإنها له فواقر (!).
وللَّه در الشافعي إذ يقول:
لا يدرك الحكمة من عمره
يكدح في مصلحة الأهل
ولا ينال العلم إلا فتىً
خال من الأفكار والشغل
لو أن لقمان الحكيم الذي
سارت به الركبان بالفضل
بُلِي بفقر وعيال لما
فرق بين التبن والبقل (1)
وقد كان السلف يحبذون أوقات الشباب للطلب، فإنها ربيع العمر، إذا صوح نبته قبل جني ثمرته، وقطفها؛ فليكبر على صاحبه أربعاً لوفاته.
قال الشافعي:
ومن فاته التعليم وقت شبابه
فكبر عليه أربعاً لوفاته
ذلك أن العلم هو الحياة، فمن سعادة المرء، وجده أن يوفقه اللَّه في هذه المرحلة وما قبلها من سني عمره لطلب العلم.
* المبادرة إلى التحصيل وقطع العلائق:
قال ابن جماعة الكناني رحمه اللَّه: ((على طالب العلم أن يبادر شبابه وأوقات عمره إلى التحصيل، ولا يغتر بخدع التسويف، والتأميل، فإن كل ساعة تمضي من عمره؛ لا بدل لها، ولا عوض عنها، ويقطع ما يقدر عليه من العلائق الشاغلة، والعوائق المانعة عن تمام الطلب، وبذل الاجتهاد، وقوة الجد في التحصيل؛ فإنها كقواطع الطريق)) (2).
فيا أخا الشباب؛ اغتنم هذه العطية، والمنحة الربانية، في تحصيل العلوم الشرعية؛ تكن عند ربك مرضياً؛ قبل أن ينفرط عقد شبابك، ويختل نظامك.
* نصيحة حفصة بنت سيرين لمعشر الشباب:
عن هشام بن حسان قال كانت حفصة تقول لنا: ((يا معشر الشباب، خذوا من أنفسكم وأنتم شباب؛ فإني ما رأيت العمل إلا في الشباب)) (3).
قلت: إن لم تأخذ من نفسك وقت شبابك؛ فلن تجد في شيخوختك ما تأخذه سوى الحسرة، والندامة، وعض الأنامل، وقرع السن؛ هذا إن وجدت سناً تقرعها (!).
ـــــــــــــــــ
(1) قلت: قول الإمام الشافعي في البيت الأخير في حق لقمان جانب فيه الصواب، فقد كان لقمانُ عبداً حبشياً نجاراً، وهل من فقر فوق أن يكون الإنسان عبداً مملوكاً (؟!) وهل خفي على الشافعي قوله تعالى عن لقمان: {وإذ قال لقمان لابنه. . .} فقد كان لقمان فقيراً ذا عيال ومع ذلك فرق بين التبن والبقل، بل وآتاه الله ما لم يؤت كثيراً من العالمين ففرق بين الحق والباطل، والطيب والخبيث، حتى صارت الحكمة عَلَماً عليه، فرحم الله الشافعي.
(2) ابن جماعة الكناني (تذكرة السامع والمتكلم) (الباب الثالث في آداب المتعلم) (النوع الثالث) (ص 73) تحقيق وتعليق محمد هاشم الندوي.
ملاحظة: لم يكن النقل لجميع نصوص ابن جماعة في كتابي هذا عن هذه الطبعة التي أعزو إليها الآن، ولكن لما ضاعت تلك وتوفرت هذه عزوت إليها؛ ولذلك قد يلحظ القارئ زيادة: ((على طالب العلم. . .))، في أول النص، وليست هي هنا في هذه الطبعة.
(3) ابن الجوزي (صفة الصفوة / 4/ 21) بضبط وحاشية إبراهيم رمضان وسعيد اللحام.
¥