الثاني: على تسليم أن ابن تيمية يرى عموم تلك القاعدة لجميع المسافات فإنه إنما يتكلم في تقدير ذلك بصفته من أهل العرف لا بصفته مجتهداً مستدلاً من الشريعة؛ فإذا كان الأمر كذلك فإن الأعراف قد تتغير بتغير الزمان والمكان والأحوال، هذا من وجه، ومن وجه آخر: قد يختلف أهل العرف أنفسهم في التقدير والحكم، وإن اتحد المكان والزمان والحال.
ويلزم من طرد هذه القاعدة وهي عدم اعتبار المسافة الطويلة في المدة القليلة يلزم من ذلك أن نقول: إن من سافر بالطائرة مسافة ثلاثة آلاف
كيل، أو بالسيارة ألف كيل مثلاً، ثم عاد من فوره أنه غير مسافر؛ لأنه يعود من نهاره ولا يبيت، وهذا مخالف للمقطوع به عرفاً.
تنبيه حول كلام لابن تيمية في المسافة:
قول ابن تيمية رحمه الله: ( .. فالتحديد بالمسافة لا أصل له في شرع ولا لغة ولا عرف ولا عقل .. ) ([75]) لا يُعتبر معارضاً لاعتبار المسافة العرفية في بعض أحوال السفر.
وذلك لما ظهر خلال كلامه من أن نكيره إنما هو على من جعل ضبط السفر بالمسافة حداً عاماً يشترك فيه جميع الناس في كل أحوالهم؛ كأن يقال مثلاً: إن من قصد دون أربعة بُرُدٍ فليس بمسافر في جميع الأمكنة والأزمنة والطرق والمراكب.
يوضح ذلك ويجليه حكايتُه ـــ رحمه الله ـــ أقوال بعض الصحابة التي تضمنت تحديداً بمسافة، وهذا يدل على أنه لا يعترض على اعتبار المسافة مطلقاً، وإنما على جعلها حداً مشتركاً.
كما أن ابن تيمية يَعتبر المسافة القليلة والمدة الكثيرة في ثبوت وصف السفر العرفي، حيث قال هنا: (فالمسافة القريبة في المدة الطويلة تكون سفراً، والمسافة البعيدة في المدة القليلة لا تكون سفراً) ([76])؛ فهل تمكن معرفة المسافات القريبة والبعيدة والمدة الطويلة والقصيرة إلا بتقدير تقريبي؟ وهل يمكن ذلك إلا بالعرف؟
وقد حكى رحمه الله أقوال بعض الصحابة الذين مثَّلوا للسفر بمسافات ثم قال: (وكلام الصحابة يدل على أنهم لم يجعلوا قطع مسافة محدودة أو زمان محدود يشترك فيه جميع الناس، بل كانوا يجيبون بحسب حال السائل؛ فمن رأوه مسافراً أثبتوا له حكم السفر، وإلا فلا) ([77]).
ـ[إحسان العتيبي]ــــــــ[16 - 01 - 08, 08:23 ص]ـ
وبخصوص " حمل الزاد والمزاد " قال الشيخ وفقه الله:
السبب الرابع: حمل الزاد والمزاد.
وهذا الوصف وإن كان قليلاً في زماننا بسبب انتشار مراكز التسويق على طول الطريق، وفي أماكن النزول، إلا أن أهل العرف يستدلون به مع أوصاف أخرى على تحقق وصف السفر.
قال ابن سيرين: (كانوا يقولون: السفر الذي تُقصَرُ فيه الصلاة الذي يُحْمَل فيه الزاد والمزاد) ([78]).
وهذا الوصف من الأوصاف المؤكدة لوجود السفر، ولكنها لا تستقل بنفيه ولا إثباته؛ فقد يُعتبر مسافراً دون تزود، وقد يُعتبر مقيماً مع تزوده.
ـ[إحسان العتيبي]ــــــــ[16 - 01 - 08, 08:28 ص]ـ
ومما قاله الشيخ وفقه الله:
6. النزهة في المواضع القريبة من بلد الإقامة ـــ كعشرين كيلاً أو ثلاثين،
ونحو ذلك ـــ تُعتبر من أحوال الإقامة، لاسيما إذا لم يكن مبيت وتزود.
7. هل يُعتبر النازلون في المصايف أو في أريافهم سنوياً بصورة منتظمة
أو غالبة مدة طويلة متصلة؛ كالنزول وقت الإجازات شهرين
أو ثلاثة في بيوت مؤثثة مملوكة أو مستأجرة بعقود طويلة، حتى صار الناس يعرفون البلد والمنزل، هل هم مقيمون؟ الأظهر عرفاً أنهم كذلك، بل إنهم أقرب إلى الاستيطان؛ فهم كالرعاة والبدو الذين ينتجعون الكلأ ويتتبعون المراعي ([112]).
وذلك بخلاف من له فيها عادة سنوية ولكن مدتها قليلة؛ كخمسة عشر يوماً أو عشرين، أو في منزل غير ثابت.
ـ[أبو يوسف التواب]ــــــــ[16 - 01 - 08, 09:19 ص]ـ
أرأيت يا شيخ إحسان؟!
لا زال كلام الشيخ أبي حازم هو الظاهر الغالب. (ابتسامة)
وأن ما ملتَ إليه ووهم فيه الشيخ المحمد ليس متوجهاً في فهم عبارة شيخ الإسلام.
ـ[عبدالله المحمد]ــــــــ[16 - 01 - 08, 10:57 ص]ـ
أولا جزاك الله خيرا يا أبا يوسف والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات
ثانيا لم أبين أي رأي لي حتى أهم أو لا أهم:) إنما هو نقل نقلته للفائدة واختصرته لطوله
ثالثا كلام الشيخ سليمان - وهذا هو رأيي - واضح في أنه يقرر فهما وسطا بين الشيخ ابن عثيمين وابن جبرين حفظهما الله
فهو يقر بنسبة الكلام لشيخ الإسلام لكن لا يقر بفهم الشيخ ابن جبرين له
ويقر بفهم الشيخ ابن عثيمين لكن لا يقره بإطلاق
إنما يحد ذلك في الشاسع من المسافة، يعني بإختصار هو لا يصحح ما ذكره الشيخ ابن عثيمين في نسبة أن المسافة الطويلة في المدة القصيرة تعد سفرا - هكذا بإطلاق -
ولا يفهم ما فهمه الشيخ الجبرين بإطلاق
لكن قول الشيخ سليمان: الثاني: على تسليم أن ابن تيمية يرى عموم تلك القاعدة لجميع المسافات
تدل أن فهم الشيخ ابن جبرين وموافقة الشيخ إحسان لها شأن واضح عنده
¥