تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لكي يشرع للمرء قيادة سيارته، يجب ان يكون قصده الذي من اجله وقع فعل القيادة مشروعا، وذلك ان اعمال الشخص وتصرفاته القولية والفعلية تختلف احكامها الشرعية التي تترتب عليها باختلاف مقصود الشخص من تلك الاعمال والتصرفات، لحديث "إنما الاعمال بالنيات، وانما لكل امرئ ما نوى"، وأن القاعدة الفقهية تنص على ان الامور بمقاصدها، فالمقاصد ونيات العباد محل نظر الشارع الحكيم، وهي تشمل كل ما يصدر عن الانسان من قول أو فعل.

اذن الحكم المترتب على اي امر يكون على مقتضى المقصود من ذلك الأمر، وأن اعمال المكلف يحكمها دفاع منبعث من القلوب.

قال ابن حجر "ان الله خلقها للركوب والزينة، فمن استعملها في ذلك فعل ما أبيح له، فإن اقترن بفعله قصد طاعة ارتقى إلى الندب، أو قصد معصية حصل له الاثم".

وورد في اجابة لجنة الفتوى بوزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية في دولة الكويت ما يعتبر ذلك، في الفتوى7/ 22/83 والتي ورد فيها: ان قيادة المرأة للسيارة إذا لم يقترن بذلك امر محرم، كاتخاذها وسيلة للمعصية، جائز".

وعلى ذلك فإن كان القصد من القيادة محرما، كالقيادة لسفر المعصية، ونحو ذلك، فإن القيادة للسيارة تكون محرمة، لان الوسائل لها حكم الغايات.

ثانيا: الالتزام باحكام السير:

لقد اتت الشريعة الاسلامية لتحقيق مصالح الناس، ووضعت الاحكام التي من شأنها توفير السلامة للمجتمع. فمن الفقهاء من ارجع قواعد الفقه إلى سبع عشرة قاعدة، ومنهم من ردها إلى اربع قواعد، والتي منها قاعدة: الضرر يزال، والمبنية على "لا ضرر ولا ضرار".

وقد ارجع الشيخ عز الدين بن عبد السلام الفقه كله إلى اعتبار المصالح، ودرء المفاسد، بل قد يرجع الكل إلى اعتبار المصالح، فإن درء المفاسد من جملتها "فالشريعة كلها مصالح، اما تدرأ مفاسد، واما تجلب مصالح".

ولقد اتت الشريعة الاسلامية لحفظ الضروريات الخمس، وهي: حفظ الدين، وحفظ النفس، وحفظ العقل، وحفظ النسب، وحفظ المال، باعتبار ان هذه الحياة الدنيا التي يعيش فيها الانسان مبنية على هذه المصالح، ولا تتوافر معاني الحياة الانسانية الكريمة الا إذا توافرت هذه الامور، والمحافظة عليها، ومنع اي اعتداء يمتد اليها.

ومما يدخل في عموم المحافظة على النفس، المحافظة على سلامة قائدي السيارات والركاب والمشاة من حوادث السير بالسيارات، لما في هذه الحوادث من ازهاق لانفس كثيرة، واصابات بليغة تحصل نتيجة لها.

وكما أنه يدخل في عموم المحافظة على المال، العمل على سلامة السيارات من التلف والناتج عن الحوادث، بالاضافة إلى اتلاف المرافق العامة، كالانوار، والزروع، ونحو ذلك، حتى لا يذهب المال في غير مصلحة تعود على الامة.

وعند النظر في انظمة المرور التي تسنها الدول، فهي داخلة تحت قاعدة الضرر يزال، وقد راعى واضعو هذه الانظمة جلب المصلحة، ودرء المفسدة، سواء اكانت على النفس ام على المال.

وأن القيود التي تضعها هذه الانظمة، تهدف إلى تحقيق المصلحة العامة، وتحقيق الحياة الامنة للانسان، ولا شك في ان ذلك مطلب شرعي، مقصود في الشريعة الاسلامية، فالسير في الطريق وأن كان مباحا، كما قرر الفقهاء، حيث قال الحصفكي: "الاصل ان المرور في طريق المسلمين مباح، بشرط السلامة فيما يمكن الاحتراز عنه"، الا أنه احيانا يمنع الانسان من السير في بعض الطرقان، أو الاتجاهات، أو الوقوف في بعض الاماكن، وذلك لمصلحة عامة، والقاعدة عند الفقهاء، يتحمل الضرر الخاص لدفع ضرر عام.

فالشريعة الاسلامية وضعت قواعد عامة كاملة وشاملة، وتركت سعة لاجتهاد الفقهاء في سبيل تحقيق هذه القواعد، وهذا احد اسرار خلود الشريعة الاسلامية، وصلاحيتها لكل زمان ومكان.

وعليه فإن انظمة المرور هي جزء تطبيقي لهذه القواعد العامة في الشريعة الاسلامية؛ لضمان سلامة الانسان في نفسه ومال.

ولما كان القصد منها المصلحة العامة، فانها قد تتعارض مع مصلحة شخص معين، ولكن لما كان الضرر الكثير يزال بالضرر القليل، فإن مصلحة الجماعة مقدمة، وان دفع المضار مقدم على جلب المصالح، وقد عبر الفقهاء عن هذه المسالة بقاعدة: "يتحمل الضرر الخاص لدفع ضرر عام".

وقد ورد في قرار مجمع الفقه الاسلامي رقم 71 (2/ 8) ما يلي:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير