تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومن كان خبيرًا بأصول أحمد ونصوصه عرف الراجح فى مذهبه فى عامة المسائل، وإن كان له بصر بالأدلة الشرعية عرف الراجح فى الشرع. وأحمد كان أعلم من غيره بالكتاب والسنة وأقوال الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ولهذا لا يكاد يوجد له قول يخالف نصًّا كما يوجد لغيره ولا يوجد له قول ضعيف فى الغالب إلا وفى مذهبه قول يوافق القول الأقوى وأكثر مفاريده التى لم يختلف فيها مذهبه يكون قوله فيها راجحًا كقوله بجواز فسخ الإفراد والقران إلى التمتع، وقبوله شهادة أهل الذمة على المسلمين عند الحاجة كالوصية فى السفر، وقوله بتحريم نكاح الزانية حتى تتوب، وقوله بجواز شهادة العبد، وقوله بأن السنة للمتيمم أن يمسح الكوعين بضربة واحدة، وقوله فى المستحاضة بأنها تارة ترجع إلى العادة وتارة ترجع إلى التمييز وتارة ترجع الى غالب عادات النساء فإنه رُوي عن النبى ? فيها ثلاث سنن عمل بالثلاثة أحمد دون غيره.

وقوله بجواز المساقاة والمزارعة على الأرض البيضاء والتى فيها شجر وسواء كان البذر منهما أو من أحدهما وجواز ما يشبه ذلك وإن كان من باب المشاركة ليس من باب الإجارة ولا هو على خلاف القياس ونظير هذا كثير.

وأما ما يسميه بعض الناس مفردة لكونه انفرد بها عن أبي حنيفة والشافعي مع أن قول مالك فيها موافق لقول أحمد أو قريب منه وهي التى صنف لها الهراسي ردًّا عليها وانتصر لها جماعة كابن عقيل والقاضي أبي يعلى الصغير وأبي الفرج ابن الجوزي وأبى محمد بن المثنى فهذه غالبها يكون قول مالك وأحمد أرجح من القول الآخر وما يترجح فيها القول الآخر يكون مما اختلف فيه قول أحمد وهذا كإبطال الحيل المسقطة للزكاة والشفعة، ونحو ذلك الحيل المبيحة للربا والفواحش ونحو ذلك، وكاعتبار المقاصد والنيات فى العقود والرجوع فى الأيمان إلى سبب اليمين وما هيجها مع نية الحالف، وكإقامة الحدود على أهل الجنايات كما كان النبى صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون يقيمونها كما كانوا يقيمون الحد على الشارب بالرائحة والقيء ونحو ذلك، وكاعتبار العرف فى الشروط وجعل الشرط العرفى كالشرط اللفظى، والاكتفاء فى العقود المطلقة بما يعرفه الناس وأن ما عده الناس بيعًا فهو بيع وما عدوه إجارة فهو إجارة وما عدوه هبة فهو هبة وما عدوه وقفًا فهو وقف لا يعتبر في ذلك لفظ معين. ومثل هذا كثير ...

وما يقال من أن أحمد بن حنبل محدث وليس فقيهًا، فإنه من باب:

وتلك شكاة ظاهر عنك عارها.

ولرد هذه الشبهة يقال:

قال ابن بدران رحمه الله في المدخل:

العقد الثاني في السبب الذي لأجله اختار كثير من كبار العلماء مذهب الإمام أحمد على مذهب غيره:

هذا العقد له مدخل عظيم لمن يريد التمذهب بمذهب أحمد وما ذلك إلا لأن الداخل على بصيرة في شيء أعقل من الداخل فيه على غير بصيرة وأبعد عن التعصب والتقليد المحض وكل إنسان يختار لمطعمه وملبسه وحوائجه الضرورية فلأن يختار ويحتاط لدينه أولى.

ولما كان المقلد لا رأي له ولا ترجيح وإنما نصيبه من العلم أن يقول قالوا فقلنا، أثبتنا له هذا العقد ليتزين به ونصبنا له هذا السلم أملًا بأنه إن ترك التعصب الذميم والجهل المركب ارتقى قليلًا إلى درجات أوائل العلم ولاح له لمعان من نور الهدى فيجره اختيار المذهب إلى اختيار بعض الفروع بالدليل والبرهان فيكون حينئذ من المفلحين ويتزحزح عن نار الغفلة والتقليد الأعمى المذموم على لسان كل عاقل له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.

وإليك بيان ما نوهنا به وأشرنا إليه:

قال الإمام الحافظ أبو الفرج عبد الرحمن ابن الجوزي أحد المجتهدين في مذهب أحمد في كتاب «المناقب» في الباب السابع والتسعين منه:

اعلم وفقك الله أنه مما يتبين الصواب في الأمور المشتبهة لمن أعرض عن الهوى والتفت عن العصبية وقصد الحق بطريقه ولم ينظر في أسماء الرجال ولا في صيتهم فذلك الذي ينجلي له غامض المشتبه فأما من مال به الهوى فعسير تقويمه.

واعلم أننا نظرنا في أدلة الشرع وأصول الفقه وسبرنا أحوال الأعلام المجتهدين فرأينا هذا الرجل يعني الإمام أحمد أوفرهم حظا من تلك العلوم فإنه كان من الحافظين لكتاب الله عز وجل وقرأه على أساطين أهل زمانه وكان لا يميل شيئا في القرآن ويروي قوله صلى الله عليه و سلم «أنزل القرآن فخمًا ففخموه»

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير