وكان لا يدغم شيئًا في القرآن إلا «اتخذتم» وبابه كأبي بكر، ويمد مدا متوسطا.
وكان رضي الله عنه من المصنفين في فنون علوم القرآن من التفسير والناسخ والمنسوخ والمقدم والمؤخر في القرآن وجوابات القرآن والمسند وهو ثلاثون ألف حديث وكان يقول لابنه عبد الله: احتفظ بهذا المسند فإنه سيكون للناس إمامًا.
والتاريخ وحديث شعبة والمناسك الكبير والصغير وأشياء أخر.
وقال عبد الله: قرأ علينا أبي المسند وما سمعه منه غيرنا وقال لنا: هذا كتاب قد جمعته وانتقيته من أكثر من سبعمائة ألف حديث فما اختلف المسلمون فيه من حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم فارجعوا إليه فإن وجدتموه فيه وإلا فليس بحجة.
قال ابن الجوزي: وأما النقل فقد سلم الكل له بانفراده فيه بما لم ينفرد به سواه من الأئمة من كثرة محفوظه منه ومعرفة صحيحة من سقيمه وفنون علومه وقد ثبت أنه ليس في الأئمة الأعلام قبله من له حظ في الحديث كحظ مالك ومن أراد معرفة مقام أحمد في ذلك من مقام مالك فلينظر فرق ما بين المسند والموطأ.
وقال ابنه عبد الله: سمعت أبا زرعة يقول كان أحمد بن حنبل يحفظ ألف ألف حديث بتكرير الألف مرتين. فقيل له: وما يدريك؟ قال: ذاكرته فأخذت عليه الأبواب.
وقيل لأبي زرعة: مَن رأيت من المشايخ المحدثين أحفظ؟ فقال: أحمد بن حنبل، حزمت كتبه في اليوم الذي مات فيه فبلغت اثني عشر حملا وعدلا ما كان على ظهر كتاب منها حديث فلان وفي بطنها حدثنا فلان وكل ذلك كان يحفظه أحمد عن ظهر قلبه.
قال ابن الجوزي: وقد كان أحمد يذكر الجرح والتعديل من حفظه إذا سئل عنه كما يقرأ الفاتحة ومن نظر في كتاب العلل لأبي بكر الخلال عرف ذلك ولم يكن هذا لأحد من بقية الأئمة.
وكذلك انفراده في علم النقل بفتاوى الصحابة وقضاياهم وإجماعهم واختلافهم لا تنازع في ذلك.
وأما علم العربية فقد قال أحمد: «كتبت من العربية أكثر مما كتب أبو عمرو الشيباني».
وأما القياس فله من الاستنباط ما يطول شرحه.
قال أبو القاسم بن الجَبُّلي: أكثر الناس يظنون أن أحمد إنما كان أكثر ذكره لموضع المحبة وليس هو كذلك كان أحمد بن حنبل إذا سئل عن المسألة كان علم الدنيا بين عينيه.
وقال إبراهيم الحربي: أدركت ثلاثة لن يرى الناس مثلهم أبدًا وتعجز النساء أن يلدن مثلهم رأيت أبا عبيد القاسم ابن سلام فما مثلته إلا بجبل نفح فيه روح ورأيت بشر بن الحارث فما شبهته إلا برجل عجن من قرنه إلى قدمه عقلا ورأيت أحمد بن حنبل فرأيته كأن الله جمع له علم الأولين والآخرين من كل صنف يقول ما شاء ويمسك ما شاء.
وقال أحمد بن سعيد الرازي: ما رأيت أسود رأس أحفظ لحديث رسول الله ولا أعلم بفقهه ومعانيه من أحمد.
قال الخلال: كان أحمد قد كتب كتب الرأي وحفظها ثم لم يلتفت إليها، وكان إذا تكلم في الفقه تكلم كلام رجل قد انتقد العلوم فتكلم عن معرفة.
قال الإمام أبو الوفاء علي بن عقيل الحنبلي البغدادي: ومن عجيب ما نسمعه عن هؤلاء الجهال أنهم يقولون أحمد ليس بفقيه لكنه محدث وهذا غاية الجهل لأنه قد خرج عنه اختيارات بناها على الأحاديث بناء لا يعرفه أكثرهم وخرج عنه من دقيق الفقه ما ليس نراه لأحد منهم وانفرد بما سلموه له من الحفظ وشاركهم وربما زاد على كبارهم.
ثم ذكر ابن عقيل مسائل دقيقة مما استنبطه الإمام، ثم قال: ومما وجدنا من فقه الإمام أحمد ودقة علمه أنه سئل عن رجل نذر أن يطوف بالبيت على أربع قال يطوف طوافين ولا يطوف على أربع.
فانظروا إلى هذا الفقه كأنه نظر إلى المشي على أربع فرآه مُثلة وخروجًا عن صورة الحيوان الناطق إلى التشبيه بالبهائم، فصانه، وصان البيت والمسجد عن الشهرة ولم يبطل حكم القضية في المشي على اليدين بل أبدلها بالرجلين اللتان هما آلة المشي.
ثم ذكر مسائل من هذا القبيل، ثم قال: ولقد كانت نوادر أحمد نوادر بالغة في الفهم إلى أقصى طبقة، قال: ومَن هذا فقهه واختياراته لا يحسن بالمنصف أن يغض منه في هذا العلم وما يقصد هذا إلا مبتدع قد تمزق فؤاده من خمول كلمته وانتشار علم أحمد حتى إن أكثر العلماء يقولون أصلي أصل أحمد وفرعي فرع فلان فحسبك ممن يرضى به في الأصول قدوة.
¥