تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال ابن الجوزي: إن أحمد ضم إلى ما لديه من العلم ما عجز عنه القوم من الزهد في الدنيا وقوة الورع ولم ينقل عن أحد من الأئمة أنه امتنع من قبول أوقاف السلاطين وهدايا الإخوان كامتناعه ولولا خدش وجوه فضائلهم رضي الله عنهم لذكرنا عنهم ما قبلوا ورخصوا بأخذه.

وقد عقد ابن الجوزي في مناقبه بابًا خاصا في بيان زهده في المباحات.

ثم إنه ضم إلى ذلك الصبر على الامتحان وبذل المهجة في نصرة الحق ولم يكن ذلك لغيره. وقد أخرج أبو نعيم الحافظ عن الشافعي رضي الله عنه أنه قال قال لي محمد بن الحسن صاحبنا أعلم أم صاحبكم؟ قلت: تريد المكابرة أم الإنصاف؟ قال: بل الإنصاف.

فقلت له: فما الحجة عندكم؟ قال: الكتاب والسنة والإجماع والقياس.

قال: قلت: أنشدك الله صاحبنا أعلم بكتاب الله أم صاحبكم؟ فقال: إذا أنشدتني بالله فصاحبكم. قلت: فصاحبنا أعلم بسنة رسول الله صلى الله عليه و سلم أم صاحبكم؟ قال: صاحبكم. قلت: فصاحبكم أعلم بأقاويل أصحاب رسول الله أم صاحبكم؟ قال: صاحبكم. قلت: فبقي شيء غير القياس؟ قال: لا. قلت: فنحن ندعي القياس أكثر مما تدعونه، وإنما يقاس على الأصول فيعرف القياس. قال: ويريد بصاحبكم مالكًا.

قال ابن الجوزي: فقد كفانا الشافعي رضي الله عنه بهذه الحكاية المناظرة لأصحاب

أبي حنيفة، وقد عرف فضل صاحبنا على مالك فإنه حصّل ما حصّله مالك وزاد عليه كثيرا وقد ذكرنا شاهد هذا باعتبار المسند مع الموطأ.

وقد كان الشافعي عالما بفنون العلوم إلا أنه سلم لأحمد علم النقل الذي عليه مدار الفقه.

وقد روى ابن الجوزي عن عبد الله بن أحمد قال سمعت أبي يقول: قال لي الشافعي: أنتم أعلم بالحديث منا فإذا صح الحديث فقولوا لنا حتى نذهب إليه.

وأخرج هذه الحكاية الطبراني وأبو نعيم الحافظ.

وروى الطبراني أن أحمد كان يقول: استفاد منا الشافعي ما لم نستفد منه.

وأخرج الحافظ ابن عساكر عن الحسن بن الربيع أنه قال: أحمد إمام الدنيا. وقال: لولا أحمد لأحدثوا في الدين. وقال: إن لأحمد أعظم منة على جميع المسلمين وحق على كل مسلم أن يستغفر له.

قلت: وقد ذكرنا كثيرًا من مناقبه في كتابنا تهذيب تاريخ ابن عساكر.

قال ابن الجوزي: قلت: فهذا بيان طريق المجتهدين من أصحاب أحمد لقوة علمه وفضله الذي حث على اتباعه عامة المتبَعين ... قلت وهذا باب واسع جدا.

وذكر ابن الجوزي من هذا كثيرًا، ثم قال: هذا قدر الانتصار لاختيارنا لمذهب أحمد ورحمة الله على الكل وللناس فيما يعشقون مذاهب.

وكان الإمام أبو الوفاء علي بن عقيل البغدادي يقول: هذا المذهب يعني: مذهب أحمد إنما ظلمه أصحابه لأن أصحاب أبي حنيفة والشافعي إذا برع أحمد منهم في العلم تولى القضاء وغيره من الولايات فكانت الولاية سببًا لتدريسه واشتغاله بالعلم، فأما أصحاب أحمد فإنه قل فيهم من يعلم بطرف من العلم إلا ويخرجه ذلك إلى التعبد والتزهد لغلبة الخير على القوم فينقطعون عن التشاغل بالعلم. اهـ.

وقال الذهبي معلقا على هذه المقولة النكراء:

قلت: أحسبهم يظنونه كان محدثا وبس، بل يتخيلونه من بابة محدثي زماننا.

ووالله لقد بلغ في الفقه خاصة رتبة الليث، ومالك، والشافعي، وأبي يوسف. وفي الزهد والورع رتبة الفضيل، وإبراهيم بن أدهم. وفي الحفظ رتبة شعبة، ويحيى القطان، وابن المديني.

ولكن الجاهل لا يعلم رتبة نفسه، فكيف يعرف رتبة غيره؟! اهـ.

أقول: وفي محنة ابن جرير الطبري مع الحنابلة وهي مشهورة قال ابن جرير رحمه الله معللًا عدم ذكر أحمد في "اختلاف الفقهاء" بأنه ما رآه رُوي عنه ولا رأى له أصحابا يعول عليهم.

ففهم بعض الجهال أن ابن جرير ينفي كون أحمد فقيهًا، مع أن الرجل لم يُرد ذلك، وإنما أراد أنه لم يجد له أتباعًا في الفروع فأراد أنه ليس فقيهًا متبوعًا، فهو كالليث بن سعد مثلًا في هذا مع أنه أفقه من مالك. وهذا حق في زمان ابن جرير فإن فقه أحمد لم يكن قد دون في حياته فقد توفي ابن جرير سنة 310 هـ، وتوفي الخلال جامع فقه أحمد سنة 311هـ.

والخرقي صاحب أول متن في المذهب متوفى سنة 334هـ، وإنما بدأ اشتهار إقراء المذهب في بدايات القرن الخامس الهجري أي بعد وفاة ابن جرير بنحو قرن من الزمان.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير