تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

القسم السابع: الفعل المجرد عما سبق. فإن ورد بيانا كقوله صلى الله عليه وآله وسلم [ص: 141] صلوا كما رأيتموني أصلي و خذوا عني مناسككم وكالقطع من الكوع بيانا لآية السرقة، فلا خلاف أنه دليل في حقنا وواجب علينا، وإن ورد بيانا لمجمل كان حكمه حكم ذلك المجمل من وجوب وندب، كأفعال الحج وأفعال العمرة وصلاة الفرض وصلاة الكسوف، وإن لم يكن كذلك، بل ورد ابتداء، فإن علمت صفته في حقه من وجوب أو ندب أو إباحة، فاختلفوا في ذلك على أقوال:

الأول: أن أمته مثله في ذلك الفعل، إلا أن يدل عليه اختصاصه به، وهذا هو الحق.

والثاني: أن أمته مثله في العبادات دون غيرها.

والثالث: الوقف.

والرابع: لا يكون شرعا لنا إلا بدليل.

وإن لم تعلم صفته في حقه، وظهر فيه قصد القربة فاختلف فيه على أقوال:

الأول: أنه للوجوب، وبه قال جماعة من المعتزلة، وابن سريج وأبو سعيد الإصطخري [ص: 142] وابن خيران وابن أبي هريرة. واستدلوا على ذلك بالقرآن والإجماع والمعقول: أما القرآن فبقوله: وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا وقوله قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني وقوله فليحذر الذين يخالفون عن أمره وقوله لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وقوله أطيعوا الله وأطيعوا الرسول.

وأما الإجماع: فلكون الصحابة كانوا يقتدون بأفعاله، وكانوا يرجعون إلى رواية من يروي لهم شيئا منها في مسائل كثيرة منها: أنهم اختلفوا في الغسل من التقاء الختانين فقالت عائشة: فعلته أنا ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فرجعوا إلى ذلك وأجمعوا عليه.

وأما المعقول: فلكون الاحتياط يقتضي حمل الشيء على أعظم مراتبه.

وأجيب عن الآية الأولى بمنع تناول قوله: وما آتاكم الرسول للأفعال بوجهين:

الأول: أن قوله وما نهاكم عنه فانتهوا يدل على أنه أراد بقوله ما آتاكم ما أمركم.

الثاني: أن الإتيان إنما يأتي في القول.

والجواب عن الآية الثانية: أن المراد بالمتابعة فعل مثل ما فعله، فلا يلزم وجوب فعل كل ما فعله ما لم يعلم أن فعله على وجه الوجوب، والمفروض خلافه.

والجواب عن الآية الثالثة: أن لفظ الأمر حقيقة في القول بالإجماع ولا نسلم أنه [ص: 143] يطلق على الفعل، على أن الضمير في (أمره) يجوز أن يكون راجعا إلى الله سبحانه ; لأنه أقرب المذكورين.

والجواب عن الآية الرابعة: أن التأسي هو الإتيان بمثل فعل الغير في الصورة والصفة، حتى لو فعل صلى الله عليه وآله وسلم شيئا على طريق التطوع، وفعلناه على طريق الوجوب، لم نكن متأسين به، فلا يلزم وجوب ما فعله إلا إذا دل دليل آخر على وجوبه، فلو فعلنا الفعل الذي فعله مجردا عن دليل الوجوب، معتقدين أنه واجب علينا لكان ذلك قادحا في التأسي.

والجواب عن الآية الخامسة: أن الطاعة هي الإتيان بالمأمور أو بالمراد على اختلاف المذهبين، فلا يدل ذلك على وجوب أفعاله صلى الله عليه وآله وسلم.

وأما الجواب عن دعوى إجماع الصحابة، فهم لم يجمعوا على كل فعل يبلغهم، بل أجمعوا على الاقتداء بالأفعال على صفتها التي هي ثابتة لها من وجوب أو ندب أو نحوهما، والوجوب في تلك الصورة المذكورة مأخوذ من الأدلة الدالة على وجوب الغسل من الجنابة.

وأما الجواب عن المعقول: فالاحتياط إنما يصار إليه إذا خلا عن الغرر قطعا، وهاهنا ليس كذلك ; لاحتمال أن يكون ذلك الفعل حراما على الأمة، وإذا احتمل لم يكن المصير إلى الوجوب احتياطا.

القول الثاني: أنه للندب، وقد حكاه الجويني في البرهان عن الشافعي، فقال: وفي كلام الشافعي ما يدل عليه، وقال الرازي في المحصول: إن هذا القول نسب إلى الشافعي، وذكر الزركشي في البحر أنه حكاه عن القفال وأبي حامد المروزي واستدلوا بالقرآن، والإجماع، والمعقول.

[ص: 144] أما القرآن فقوله: لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ولو كان التأسي واجبا لقال: عليكم، فلما قال: لكم، دل على عدم الوجوب، ولما أثبت الأسوة دل على رجحان جانب الفعل على الترك، وإن يكن مباحا.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير