روى البيهقي في السنن الكبرى (4393) عن يزيد بن خصيفة عن السائب بن يزيد قال: " كانوا يقومون على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه في شهر رمضان بعشرين ركعة، قال: وكانوا يقرؤون بالمئتين وكانوا يتوكؤن على عصيهم في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه من شدة القيام ".
و هذا سند صحيح جدًّا، صححه أئمة منهم النووي رحمه الله في (الخلاصة) و (شرح المنهاج) و غيره. و قد اعترف الشيخ الألباني رحمه الله بذلك لكنه اعتذر عن العمل به و قال: إن له عللاً تمنع القول بصحته و تجعله ضعيفًا منكرًا، و ذلك من وجوه؛
الأول: أن (ابن خصيفة) هذا، و إن كان ثقة، فقد قال فيه الإمام أحمد، في رواية عنه " منكر الحديث "، و لهذا أورده الذهبي في (الميزان)، و في قول أحمد هذا إشارة إلى أن (ابن خصيفة) قد ينفرد بما لم يروه الثقات ... و هذا الأثر مداره على (السائب بن يزيد) و قد رواه عنه (محمد بن يوسف) و (ابن خصيفة) فاختلفا عليه في العدد، فالأول قال عنه: (11) و الآخر قال: (20). قال: و الراجح قول الأول؛ لأنه أوثق منه فقد وصفه الحافظ بأنه " ثقة ثبت"، و اقتصر في الثاني على قوله " ثقة " فهذا التفاوت من المرجحات عند التعارض، كما لا يخفى على الخبير بهذا العلم الشريف.اهـ
و الجواب عن هذا:
أولاً: إذا كان هناك أكثر من رواية عن إمام واحد في راوٍ، فقواعد هذا العلم الشريف تقتضي النظر في هذه الروايات و التحقيق فيها. و ها أنا ذا أذكر ما ورد عن الإمام أحمد في (ابن خصيفة):
قال أبو بكر الأثرم: سألت أبا عبد الله عن يزيد بن خصيفة؟ فقال:" ثقة ثقة " اهـ من (الجرح و التعديل 9/ 274).
و قال أحمد في (العلل و معرفة الرجال 2/ 490): " ما أعلم إلا خيًرا "
و في (بحر الدم 1/ 474): " وثقه أحمد "
و انفرد أبو عبيد الآجري برواية أبي داود عن أحمد أنه قال: " منكر الحديث ".
فالأكثر – كما ترى - و الأشهر عن أحمد توثيقه و الرواية الأخرى فردة، ولذلك قال الحافظ في (لسان الميزان 7/ 441): " وثقه أبو حاتم والنسائي وابن معين وأحمد "، و لم يعرّج على رواية الآجري، و هذا هو مقتضى التحقيق.
ثانيًا: كون الذهبي أورده في (الميزان) فهذا يردّ عنه الذهبي نفسه، حيث قال في مقدمة الميزان (1/ 2): " و فيه – أي الكتاب – مَن تُكُلّم فيه مع ثقته و جلالته بأدنى لين و بأقل تجريح، فلو لا أنّ ابن عدي أو غيره من مؤلفي كتب الجرح ذكروا ذلك الشخص لما ذكرته لثقته ... ".اهـ
ثالثًا: قول الشيخ رحمه الله: " محمد بن يوسف أوثق منه فقد وصفه الحافظ بأنه " ثقة ثبت"، و اقتصر في الثاني على قوله " ثقة ". فهذا غير جيّد، لأنّ الترجيح في مثل هذه المسائل لا يؤخذ من المختصرات، بل لا بد من الرجوع فيه إلى الأصول و الأمهات. و مثل هذه العبارات نسبية تتفاوت من إمام إلى آخر.
فانظر مثلاً إلى الإمام أحمد فإنه يقول في محمد بن يوسف: " ثقة " و كفى، و لكنه يقول في يزيد بن خصيفة: " ثقة ثقة "، و هذه رتبة أعلى من الأولى. و الإمام الذهبي رحمه الله - و هو من أهل الإستقراء - يقول في (الكاشف 2/ 232) عن ابن يوسف: " صدوق مُقلٌ ". و ابن سعد لا يذكره في طبقاته، وفي المقابل يقول في ابن خصيفة (1/ 274): " كان عابدًا ناسكًا ثقةً كثير الحديث ثبتًا "
الوجه الثاني: قال الشيخ الألباني رحمه الله: " أنّ قوله في رواية إسماعيل بن أمية: " حسبتُ أنّ السائب قال: أحد و عشرين " دليل على اضطراب ابن خصيفة في رواية هذا العدد، و أنه كان يرويه على الظن لا على القطع لأنه لم يكن قد حفظه جيّدًا ".اهـ
و الجواب: أنّ هذا لا يضرّه؛ فقد رواه عنه غير إسماعيل بصيغة الجزم، و مثل هذا يحدث لكثير من المحدثين. و أحيانًا يقول الراوي ذلك من باب شدة الإحتراز و التوقي.
¥