((هذه الآثار (72) تقتضي جواز الاجتماع لقراءة القرآن الكريم على معنى الدرس له والتعلم والمذاكرة وذلك يكون بأن يقرأ المتعلم على المعلم، أو يقرأ المعلم على المتعلم، أو يتساويا في العلم، فيقرأ أحدهما على الآخر على وجه المذاكرة والمدارسة هكذا يكون التعليم والتعلم، دون القراءة معاً.
وجملة الأمر أن هذه الآثار عامة في قراءة الجماعة معاً على مذهب الإدارة، وفي قراءة الجماعة على المقرئ ... ومعلوم من لسان العرب أنهم لو رأوا جماعة قد اجتمعوا لقراءة القرآن على أستاذهم. ورجل واحد يقرأ القرآن، لجاز أن يقولوا: هؤلاء جماعة يدرسون العلم، ويقرؤون العلم والحديث. وإن كان القارئ واحد (73).
وقال الإمام الشاطبي في بيان البدع الإضافية ما نصه: ((كالجهر والاجتماع في الذكر المشهور بين متصوفة الزمان. فإن بينه وبين الذكر المشروع بوناً بعيداً إذ هما كالمتضادين عادة)) (102).
قال أبو شامة
" قلت على أن قراءة القرآن على هذه الصورة التي فعلها الشيخ بدار الحديث كرهها مالك بن أنس الأمام رحمه الله تعالى ...
قلت والذي كره مالك رحمه الله تعالى من ذلك موافق لما أخرجه الحافظ أبو القاسم في تاريخه بإسناده عن عبد الله بن العلاء بن زبير الربيعي قال:
سمعت الضحاك بن عبد الرحمن بن عزرب ينكر هذه المدارسة ...
وعن وهب قال: قلت لمالك أرأيت القوم يجتمعون فيقرءون جميعا سورة واحدة حتى يختموها؟ فأنكر ذلك وعابه وقا ليس هكذا تصنع الناس إنما كان يقرأ الرجل على الآخر يعرضه
وقال ابن الحاج في المدخل منكرا دعوى النووي ورود القراءة الجماعية فقال:
" وقد ذكر بعض المتأخرين رحمه الله تعالى وعفا عنه هذه الأحاديث المتقدم ذكرها وساقها في فصل استحباب قراءة الجماعة مجتمعين وفضل القارئين والسامعين وبيان فضيلة من حضهم وجمعهم عليها وندبهم إليها ثم قال اعلم أن قراءة الجماعة مجتمعين مستحبة لهم بالدلائل الظاهرة وأفعال السلف والخلف المتظافرة انتهى
وليس في شيء من تلك الأحاديث المذكورة شيء من أفعال السلف والخلف وقد ذكر ابن بطال رحمه الله في شرح البخاري عن العلماء أنهم قالوا الأحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم يحتاج فيها إلى معرفة تلقي الصحابة لها كيف تلقوها من صاحب الشريعة صلوات الله عليه وسلامه فإنهم أعرف بالمقال وأفقه بالحال انتهى
وما ذكره من الأحاديث ليس في شيء منها ما ينص على أنهم اجتمعوا على ما ترجم عليه
أما قوله صلى الله عليه وسلم: " ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله "
فلم يذكر فيه أنهم اجتمعوا على ذلك يتراسلون بينهم صوتا واحدا
بل ذلك عام هل كان على صوت واحد أم لا وقد دل الدليل على أنهم لم يكونوا يفعلون ذلك
بل دل الدليل على عدم ارتكابهم ذلك ونهيهم عنه
وقد ذكر [يريد النووي] رحمه الله نبذا من ذلك في الفصل نفسه
فقال: وعن حسان بن عطية والأوزاعي أنهما قالا أول من أحدث الدراسة في مسجد دمشق هشام بن إسماعيل في قدومه على عبد الملك وروى ابن أبي داود عن الضحاك بن عبد الرحمن أنه أنكر هذه الدراسة وقال ما رأيت ولا سمعت ولا أدركت أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعلها
وعن ابن وهب قال: قلت لمالك رضي الله عنه: أرأيت القوم يجتمعون فيقرؤون جميعا سورة واحدة حتى يختموها فأنكر ذلك وعابه
وقال: ليس هكذا كان يصنع الناس إنما كان يقرأ الرجل على الآخر يعرضه.
فقد نقل رحمه الله ما كان عليه السلف وبينه
وقد قال [يريد النووي] في الترجمة التي ترجمها ما قال من أن ذلك فعل السلف والخلف
ثم نقل فعلهم على الضد مما ترجم عليه سواء بسواء وقد تقدم ذكرهم كيف كان بعد صلاة الصبح والعصر وأنهم كانوا مجتمعين في المسجد يسمع لهم فيه دوي كدوي النحل كل إنسان يذكر لنفسه على ما نقل عنهم
وقد تقدم أنهم كانوا لا يرفعون أصواتهم بالذكر ولا بالقراءة ولا يفعلون ذلك جماعة وقد تقدم حديث ابن مسعود حين إنكاره على من فعل ذلك بعدهم وقوله لهم والله لقد جئتم ببدعة ظلما أو لقد فقتم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم علما ...
وأما قوله صلى الله عليه وسلم
ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله تعالى يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة "
¥